بينما نحن بصدد صياغة هذا المقال كانت عملية عد الأصوات في الانتخابات النيبالية الأخيرة لا تزال جارية، إلا أنه تم الإعلان عن نتائج أغلبية المقاعد المنتخبة بنظام التصويت بالأغلبية، وتم جرد أكثر من 4,5 مليون صوت. لقد حقق الماويون نتيجة باهرة، مما يؤشر على أن الجماهير ترغب في إحداث تغيير جذري.
تمكن الشعب النيبالي، للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، من التعبير عن آرائه من خلال الانتخابات، وليس هناك من شك بخصوص طبيعة تلك الآراء! هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها منذ حركة أكتوبر التي قادت الماويين إلى العودة إلى "الشرعية" وأيضا إلى حكومة ائتلافية مع القوى السياسية الرئيسية.
كانت هناك شهور من المفاوضات بخصوص نوعية النظام الانتخابي الذي يجب تبنيه، والتي شهدت أيضا صعود الجيش إلى البرلمان، وقد تلت ذلك حملة انتخابية دموية. إن تنظيم الانتخابات وفق الشرط الذي وضعه حزب المؤتمر النيبالي، أي قبل إعلان الجمهورية، هو في الواقع مؤشر على حجم التنازلات التي كان الماويون مستعدين لتقديمها.
لقد قطعوا في الواقع طريقا طويلا منذ أيام خوضهم لحرب العصابات، التي مكنتهم من السيطرة على أجزاء واسعة من البلد. تراجعوا عن ذلك الموقع وتخلوا عن الكفاح المسلح ووافقوا على إدماج مجموعاتهم المسلحة في الجيش الرسمي، بل ووافقوا أيضا على الالتحاق بالحكومة إلى جانب أحزاب برجوازية. ينسجم كل هذا مع التصور الماوي الكلاسيكي، الذي يقول أنه بسبب كون النيبال بلدا متخلفا جدا فإن المنظور المباشر أمامه ليس هو النضال من أجل الاشتراكية، بل النضال من أجل نوع من الديمقراطية البرجوازية، أي "المرحلة الأولى" لنظرية المرحلتين.
إلا أن الطريقة التي صوتت بها الجماهير تؤشر إلى أنها مصممة العزم على القفز فوق المرحلة الأولى والسير نحو الاشتراكية. وواقع كونها قد صوتت بشكل مكثف لصالح حزب يسمي نفسه حزبا شيوعيا وكان قبل زمن قصير يحاول الوصول إلى السلطة عبر الكفاح المسلح، يؤكد ذلك. لقد فاز الماويون، حتى الآن، بـ 116 مقعدا من بين الـ 218 من المقاعد المنتخبة بنظام التصويت بالأغلبية المعلن عنها، من ما مجموعه 240 مقعدا.
الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب المؤتمر النيبالي، الذي لم يحقق سوى 32 مقعدا. هذه النتيجة تنزله إلى مستوى مشابه للحزب الشيوعي الآخر، الأكثر "اعتدالا"، الحزب الشيوعي النيبالي – الماركسي اللينيني الموحد (ح ش ن – م ل م)، الذي حقق 31 مقعدا. لقد طرد الحزب الشيوعي النيبالي – الماركسي اللينيني الموحد (ح ش ن – م ل م)، في الواقع، من الحكومة، بسبب نتيجته الانتخابية السيئة، ليصبح أهم حزب في المعارضة. أحزاب المادهيسي (Madhesi) الجهوية فازت بحوالي 30 مقعدا، وهي القوة الحقيقية الوحيدة التي لا تزال تدافع عن إبقاء النظام الملكي.
من بين المفارقات المضحكة هو أن قادة الماويين كانوا جد متشائمين بخصوص فرصهم في الفوز مما جعلهم يخشون من نظام التصويت المباشر. هذا ما يفسر السبب وراء تبني نظام انتخابي مركب، هجين، يجمع بين مقاعد منتخبة على أساس التمثيلية النسبية وأخرى على أساس التصويت بالأغلبية. سوف يؤدي نظام التمثيلية النسبية في آخر المطاف إلى إنقاذ ماء وجه الأحزاب البرجوازية، وخاصة منها حزب المؤتمر النيبالي، الذي كان سيتعرض للسحق لو توجب انتخاب جميع البرلمانيين على أساس أغلبية الأصوات.
لم يتم الربط بين قسمي هذا النظام الانتخابي المعقد الذي تم تبنيه، التمثيلية النسبية والتصويت بالأغلبية. على أية حال تبين النتائج المعلنة لحد الآن، أن الماويين سيحصلون على ما مجموعه حوالي 30 %، بينما سيحصل كل من المؤتمر النيبالي وح ش ن – م ل م على حوالي 20 %، بينما ستحقق الأحزاب الجهوية أقل من 10 %.
البرلمان الجديد مشكل من 601 مقعد، 335 مقعدا من بينها ستنتخب على أساس نظام التمثيلية النسبية، و240 على أساس نظام الأغلبية وستعين الحكومة من سيحتل الـ 26 مقعدا المتبقية. من جد المحتمل أن يشكل الماويون أكبر قوة في البرلمان، لكنهم ربما لن يحققوا الأغلبية المطلقة. سوف يسمح لهم ذلك بتشكيل تحالف للقوى اليسارية (بين المنظمات الشيوعية الخمسة التي تمتلك تمثيلية داخل البرلمان) مما سيشكل أغلبية واضحة داخل الغرفة.
نرى هنا أيضا الميل القوي نحو اليسار: مجموع الأصوات التي حققها كلا الحزبين الشيوعيين الرئيسيين يساوي حوالي 50 %! وهكذا فإنه بدل البحث عن تشكيل تحالفات مع الأحزاب التي يمثلها حزب المؤتمر النيبالي البرجوازي، يتوجب على الحزبين الشيوعيين الرئيسيين أن يفكرا بمنطق الجبهة الموحدة بدون أحزاب برجوازية وقيادة الجماهير في النضال من أجل الاشتراكية. لكن من غير الواضح، مع الأسف، ما هو التكتيك الانتخابي الذي سيتبعه الماويون.
لديهم الآن اختياران اثنان: الأول هو رفض الدخول في أي ائتلاف مع الأحزاب البرجوازية وتوحيد جميع القوى الشيوعية، وقيادة العمل الجماهيري، من خلال التعبئة خارج البرلمان، في النضال من أجل الاشتراكية في النيبال. الخيار الآخر هو الدخول في مفاوضات مع قوى برجوازية، من قبيل المؤتمر النيبالي، على أساس الزعم بأن هذه "مرحلة ديمقراطية" للثورة. سيتطلب منهم هذا الخيار أيضا العمل على كبح الجماهير وأن يشرحوا لها أنه من الضروري توحيد القوى مع ما يسمى بـ "الجناح التقدمي للبرجوازية."
الماويون يبعثون رسالة مهدئة للبرجوازية
لقد سارع باراشاندا وغيره من القادة الماويين، كما كان متوقعا، إلى إصدار تصريحات لتهدئة كل من يمكنه أن يعتقد أن قادة المغاوير السابقين قد يكونون "جد راديكاليين". قال باراشاندا في مباحثاته مع وزير الخارجية الهندي، براناب موخيرجي ومسئولي الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أنه « أعلن التزامه بمسلسل السلام والتعددية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية». (Nepal news.com، 17 أبريل 2008). ينسجم هذا مع سياسة القادة الماويين الرافضين لأي تحرك نحو الاشتراكية، والمرتبطين ببرنامجهم المتعلق بتحقيق "التنمية الاجتماعية" للنيبال داخل إطار الرأسمالية، مع القضاء على النظام الملكي.
ستنتظر الجماهير النيبالية من هذا البرلمان الجديد إحداث تغيير عميق. في الواقع سوف يتعرض الماويون الآن لضغط هائل من أجل توفير السلع الأساسية. لكنهم سوف يتعرضون أيضا لضغط هائل من جانب القوى البرجوازية لا سواء النيبالية أو الدولية، والتي ستعبئ كل قواها لضمان عدم خضوع الماويين للضغط الممارس عليهم من تحت ولكي لا يسيروا بعيدا جدا في تطبيق سياساتهم الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذه الأثناء سيتم استخدام الحركتين الجهويتين، تيراي ومادهيسي، من أجل مواصلة حملتهما ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا.
من الواضح أن الطبقة الحاكمة النيبالية منقسمة بشكل عميق بين الجناح الوفي للنظام الملكي من جهة وبين هؤلاء الذين يرون جيانيندرا مجرد عبئ ثقيل، والذي يعتبرونه المسئول، بغبائه وعناده، عن انتصار الماويين. لقد استولى هذا الملك على التاج بعد الأحداث التي وقعت سنة 2001، عندما قتل ولي العهد عشرة من أفراد الأسرة الملكية، بمن فيهم الملك والملكة، وانتحر بعد ذلك.
خلال شهر أكتوبر من السنة الموالية، أقال جيانيندرا رئيس الوزراء وحكومته.اتهمهم بـ "العجز" بعدما عملوا على حل البرلمان وظهروا عاجزين عن تنظيم انتخابات بسبب التمرد المستمر. اعتقد الملك أن حركة التمرد ترجع فقط لعجز الوزراء. لقد كان بعيدا كليا عن الواقع الحي.
خلال شهر يونيو 2004، وبالرغم من كونه لم يُعِد فتح البرلمان، فإنه أعاد رئيس الوزراء المنتخب الذي شكل حكومة مؤلفة من أربعة أحزاب. لكنه قام مرة أخرى بحلها، خلال شهر فبراير 2005، متهما إياها بالعجز عن مواجهة التمرد الماوي، وأعلن حالة الطوارئ، اعتقل قادة الأحزاب واحتكر السلطة بشكل مباشر. انتهت حالة الطوارئ خلال شهر ماي 2005، لكن الملك بقي محتكرا للسلطة المطلقة إلى حين أبريل 2006.
استمر هذا إلى أن أجبرت ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات الجماهيرية الملك على إعادة الحياة البرلمانية. كان الواقع يضرب الملك على رأسه مرارا وتكرارا، لكنه بدا عاجزا عن فهم ما يحدث، وبقي يعتقد أنه قادر على الحكم كما في الماضي. بالرغم من أنف الملك، تم عقد اتفاق سلام بين الحكومة والماويين، خلال نوفمبر 2006، مما سمح بوضع دستور مؤقت. هذا هو ما سمح للماويين بالدخول إلى البرلمان خلال شهر يناير 2007.
نفس ذلك الاتفاق تضمن الدعوة إلى عقد جمعية تأسيسية ستكون مهمتها صياغة دستور جديد. والانتخابات الحالية جزء من ذلك المسلسل. كل هذا تم الاتفاق عليه رغم أنف الملك وليس بفضله. لقد فهم القادة البرجوازيون الأكثر الجدية والأبعد رؤية، وبناء على النصيحة من جانب الإمبريالية، أنه ليس في إمكانهم أن يستمروا في الحكم بنفس الطريقة القديمة في مواجهة مثل هذه المعارضة الجماهيرية. لقد استوعبوا، مثلما كان الحال سابقا في جنوب إفريقيا مع المؤتمر الوطني الإفريقي وفي فلسطين مع منظمة التحرير الفلسطينية، بل وحتى في شمال ايرلندا مع الشين فين،أن الطريقة الوحيدة لضمان الاستقرار هو فتح مفاوضات مع القادة المعترف بهم من طرف الجماهير. والذين كانوا في حالتنا هذه هم قادة المغاوير الماويين.
أرادت البرجوازية من خلال تقديم تنازلات "ديمقراطية" لهؤلاء القادة، المستعدين للقبول باقتصاد السوق، أي بالرأسمالية، باعتباره الأساس الذي يجب الاستناد عليه في جميع التطورات السياسية، أن تستخدمهم ليقوموا بمنع الجماهير عن إسقاط النظام القائم بأسره.
التصريح الأخير لرئيس فدرالية الغرفة النيبالية للتجارة والصناعة، كوش كومار جوشي، دليل على هذا. لقد قال أنه على الحكومة الماوية القادمة أن تتبنى سياسة اقتصادية "لبرالية". يمكننا أن نتوقع المزيد من مثل هذه "النصائح" لا سواء من جانب المعلقين البرجوازيين داخل النيبال، أو على الصعيد الدولي. لسوء الحظ يبدو أن القادة الماويين يعطون أهمية أكبر لآراء مثل هؤلاء الناس أكثر مما يعطونها لرأي ملايين العمال والفقراء الذين انتخبوهم.
ليس من الواضح تماما ما الذي سوف يحدث للملك، بالرغم من أنه يبدو أن إقامة الجمهورية مسألة حتمية. الملك نفسه شخص متقلب، لكن وضعه الشخصي ليس قضية تافهة في هذا السياق. يمكن للبرجوازية أن تقبل بسهولة بأنه يجب أن يذهب، إذا ما قبل الماويون في المقابل بتبني موقف معتدل.
شيء واحد واضح، هو أن هذا الانتصار الانتخابي دليل على قوة الجماهير النيبالية وهو أيضا تصويت للثقة في هؤلاء الذين قادوا الكفاح المسلح لأكثر من عقد من الزمان. إنه يبين بوضوح رغبة الجماهير في تغيير المجتمع، وسيكون من الإجرام عدم استثمار كل هذا الدعم من أجل القيام بالتغيير. الخطر هو أن الماويين، بقبولهم لـ "مرحلة" برلمانية برجوازية، سيتعرضون للاستنزاف بإضاعة الكثير من الوقت في اللجان والانتخابات. لدى البرلمان الحالي مهمة إقرار دستور جديد، وربما تنظيم استفتاء، والذي سيتلوه تنظيم انتخابات جديدة. هذه هي الساحة التي يفضلها السياسيون البرجوازيون. إنهم خبراء في تمطيط الإجراءات والحفر في أعماق تفاصيل أي تغيير قانوني. في هذه الأثناء ستكون الجماهير تنتظر التخفيف من الظروف البائسة التي تعيشها.
يبلغ عدد سكان النيبال حوالي 30 مليون نسمة، ويمكن لأرقام قليلة أن تعطي لنا فكرة عن مستوى تخلف هذا البلد. إنه واحد من أكثر البلدان فقرا في العالم. ثلاثة أرباع الساكنة يعيشون على الزراعة. يبلغ الناتج الإجمالي بالنسبة للفرد 1,100 دولار أمريكي في السنة فقط. حوالي ثلث الساكنة تعيش تحت خط الفقر الرسمي، تبلغ البطالة مستوى صاعقا، 42 %، وأكثر من نصف الساكنة أميون. نسبة التضخم تبلغ، حسب الأرقام الرسمية، 9 % لكنها في الواقع أكبر بكثير، خاصة خلال الأشهر الأخيرة مع الارتفاع الهائل الذي شهدته أسعار الغذاء.
لدى الماويين اليوم إذن مسئولية كبرى على كاهلهم. سوف لن يكون في مقدورهم مواجهة المشاكل الاقتصادية الخطيرة إذا ما قاموا بتشكيل ائتلاف مع أي من الأحزاب البرجوازية وإذا ما هم أضاعوا أكثر وقتهم في نقاش التغيير الدستوري. لقد صوتت الجماهير عليهم ليس من أجل إضاعة الوقت في الثرثرة، بل من أجل القيام بعمل ملموس ضد الفقر.
ينصب البرجوازيون فخا للماويين. في الواقع لقد دعا الرئيس الحالي، كوارالا، إلى تشكيل حكومة ائتلافية وستمارَس كل أشكال الضغوط على الماويين لكي يسيروا بأبطء سرعة ممكنة. وإذا ما هم قاموا بذلك سوف لن يعملوا سوى على تقوية الجناح اليميني والبرجوازية. المؤشر الواضح عن التكتيك الذي تتبناه الطبقة السائدة، يقدمه رئيس غرفة التجارة الذي مدح قادة الماويين بسبب وعودهم بـ "الاستماع إلى القطاع الخاص" أثناء وضع السياسة الاقتصادية. يبدو من خلال هذا أن قادة الماويين يحضرون لـ "تدبير الرأسمالية". تنسجم مع هذا الخط تصريحات باراشاندا لصالح "الاقتصاد المختلط".
الجيش الملكي بدوره تكيف مع حاجيات اللحظة. حيث أبدى التزامه للعمل في ظل قيادة حكومة منتخبة، ومواصلة النقاشات بخصوص إدماج قوات المغاوير في الجيش الوطني تحت إشراف الأمم المتحدة. المطلب الوحيد لدى قادة الجيش هو عدم "تسييس" الجيش. يقصدون بهذا أنه على الشيوعيين عدم التدخل في شئون الجيش. إنهم يتناسون براحة ضمير الدور السياسي الذي لعبوه طيلة عقد من الصراع ضد حركة المغاوير. ويسير الماويون الآن نحو الاندماج الكلي لقواتهم داخل الجيش.
سوف يواصل الماويون بدون شك امتلاك قاعدة دعم جماهيرية حقيقية لبعض الوقت. لقد تم انتخابهم للتو وستتعامل معهم الجماهير بنوع من الصبر. وهكذا سوف يمتلكون متسعا من الوقت، لكن البرجوازيين والإمبرياليين بدورهم سوف يمتلكون الوقت، وسيناورون من وراء الكواليس. وكجزء من هذا المسلسل سوف يضغط الماويون في الغالب من أجل إلغاء النظام الملكي ومن أجل تحقيق بعض الإجراءات الديمقراطية الأخرى، وهي الإجراءات التي سيؤيدها الماركسيون. وحسب قناة البي بي سي للأخبار (16 أبريل 2008) فإن كبار القادة الماويين عملوا في الواقع على « حث ملك البلاد المحاصر جيانيندرا على التخلي عن العرش بطريقة "لبقة"». إن واقع كونهم "يحثون" الملك على الذهاب عوض تعبئة الحركة الجماهيرية حول هذا المطلب، مؤشر عن المقاربة التي يتبنونها.
سوف تقف جماهير العمال والفلاحين والفقراء عموما في انتظار المقترحات التي ستقدمها الحكومة فيما يخص ظروف عيشهم الملموسة.
أية حكومة الآن؟
قال باراشاندا أنهم يؤيدون إقامة اقتصاد يمكن فيه للرأسماليين تحقيق الأرباح. وقد نفى أيضا أية نية في إقامة "دكتاتورية البروليتاريا". وفي رسالته إلى قادة رجال الأعمال بكاتماندو بعد الانتخابات، أعلن زعيم الماويين أنه لن يتم استخدام السلطة بطريقة استبدادية، بل لما فيه مصلحة الشعب والوطن. (Kantipur online، 16 أبريل 2008). المقصود هنا بـ "الشعب والوطن" هو بوضوح جميع الطبقات معا. المشكلة هي أنه في ظل الرأسمالية لا يمكن للمرء أن يدافع إلا عن مصالح الشعب العامل أو مصالح الرأسماليين (والملاكين العقاريين)؛ لا يمكن تلبية مطالب الاثنان معا!
صرح زعيم الماويين أن حكومته ستتبنى "نظاما اقتصاديا انتقاليا" جديدا من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، وقد أضاف أيضا أن التطور السياسي مرتبط بالتطور الاقتصادي. وفي بيانهم من أجل الجمعية التأسيسية، طرح المتمردون السابقون تصورهم "لسياسة اقتصادية انتقالية" بمستوى تطور متوسط خلال العشرة سنوات المقبلة، وبمستوى تطور عال خلال العشرين سنة المقبلة وبمستوى تطور عال جدا خلال مدة أربعين سنة. هذا ينسجم بشكل كامل مع طريقة التفكير التقليدية لدى الماويين: في البداية يتوجب تحقيق تطوير اقتصادي وفيما بعد فقط يمكن التطرق لمسألة الاشتراكية. الفرق هنا هو عدم وجود أية إشارة إلى الاشتراكية، يشار فقط إلى مستوى "عال جدا" من التطور الاقتصادي، في ظل الرأسمالية!
كل هذا مطروح بطريقة مجردة كليا. أقوى اقتصاد في العالم، أي الاقتصاد الأمريكي، يعيش الركود. الاقتصاد في بلدان الاتحاد الأوروبي يعرف تباطؤا. سوف يكون لهذا بالضرورة تأثير جدي على الصعيد العالمي ولا يمكن للنيبال الصغيرة أن تنجو من هذه السيرورة. من الواضح أنه للنمو الرأسمالي في الصين تأثير على قيادة الماويين النيباليين. يبدو أنهم صاروا الآن أنصارا لدينغ بدل ماو!
لقد تشربوا كل فكرة التطور وفق النموذج الرأسمالي. واستجابة لمطالب أرباب الصناعة ورجال الأعمال بتوفير الأمن، قال زعيم الماويين أنه سيتم تشكيل قوة أمنية للصناعة خلال سيرورة توحيد الجيش. وشدد فيما بعد على ضرورة سن سياسة ضريبية جديدة.
وقد أكد الرجل الثاني في قيادة الماويين، الدكتور بابورام بهاتاراي، بدوره على أن الحكومة بقيادة الماويين ستطبق نظرية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. يعتبر هذا انعطافا خطيرا جدا بعد أكثر من عقد من الكفاح والتضحيات. مهمة إقناع الرأسماليين والإمبرياليين بالمساهمة في تحسين ظروف الجماهير ستكون جد صعبة في الواقع. يحاول الماويون إرضاء الجماهير والرأسماليين في نفس الوقت؛ لن يكون هذا ممكنا.
قال الدكتور بهاتاراي في حوار صحفي أجراه مؤخرا:
« لقد قضت الصين على النظام الفيودالي خلال حكم ماو. أقامت أساسا صلبا للنمو الاقتصادي. يمكننا نحن أن نتوقع تحقيق تقدم اقتصادي سريع إذا ما تحرر البلد من النظام الفيودالي البالي. عندما تدخل تكنولوجيا جديدة بعد إقامة أسس النمو الاقتصادي، يمكنك تحقيق مثل ذلك النمو. نحن لا نمتلك هذا الأساس الآن. بمجرد ما سنعيد هيكلة الدولة ونشرك القطاع الخاص، سيصبح من الممكن بالنسبة لنا تحقيق نمو اقتصادي سريع. سوف نطبق سياسة اقتصادية انتقالية خلال مرحلة انتقالية ستتضمن شراكة بين القطاع العام والخاص.
« لا يمكننا أن نفكر في تطوير هذا البلد في غياب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وللإسهامات التكنولوجية نفس الأهمية. وعليه فإننا سنتبع سياسة جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. ولكي نتمكن من ذلك، يتوجب علينا أن نضع حدا للاضطراب السياسي.»
مما لا شك فيه سيبتهج الإمبرياليون بسماع مثل هذه العبارات. إذ هاهو قيادي سابق في واحدة من أقوى حركات المغاوير، يتبنى موقفا مواليا كليا لاقتصاد السوق. يحاول الماويون النيباليون أن يطبقوا سياسة دينغ في بلدهم الصغير والمتخلف. لكن هناك بعض الاختلافات المهمة: لا تمتلك النيبال ثلاثين سنة من الاقتصاد المخطط الذي شيد البنية التحتية للصين، وبعدها أكثر من عشرين سنة من لتصنيع المبني على أسس رأسمالية. النيبال بلد ضعيف جدا وقاعدته المادية جد محدودة، مما لا يسمح لهذا النوع من "الرأسمالية الحديثة" أن تنشأ. في ظل الرأسمالية لا يمكن للنيبال أن تكون، في أحسن الأحوال، إلا ضحية لهذه القوة الإمبريالية أو تلك. وفي السياق الحالي ستكون نقطة صراع بين الرأسمالية الهندية والصين.
تقف النيبال في نقطة انعطاف تاريخية: إذا ما قام الماويون بطرح برنامج اقتصادي جريء للتغيير الاشتراكي، إلى جانب إلغاء النظام الملكي، فسوف يحصلون على تأييد الأغلبية الساحقة من الجماهير. البرجوازيون والقوى اليمينية والإمبرياليون ضعفاء جدا في النيبال. في الواقع لا يمكنهم احتواء الوضع إلا إذا قبل القادة الماويون لعب الدور الذي رسمه لهم الإمبرياليون. إذا ما سار الماويون في هذا الطريق فسوف يرتكبون خطأ جسيما ستدفع الجماهير ثمنه الغالي خلال السنوات المقبلة.
يحتاج قادة الماويين أن يفهموا أنه في هذه المرحلة من تطور الرأسمالية (وفي ظل اتجاه العالم نحو حدوث أزمة اقتصادية هائلة) ليس هناك من هامش لأي تطور اقتصادي مستقر خلال عقد من الزمن فبالأحرى خلال أربعين سنة!
جماهير شبه القارة الهندية بدأت تتحرك. رأينا هذا بوضوح عندما خرج ثلاثة ملايين شخص للترحيب ببينازير بوتو أثناء عودتها إلى باكستان. وقد شهدنا في الهند اندلاع إضرابات قوية، بل واندلاع إضراب عام عظيم ضم ثمانين مليون مضرب قبل سنتين. يحمل المستقبل اضطرابات متصاعدة وأزمات اقتصادية وغليانا اجتماعيا، وليس الاستقرار والنمو الاقتصادي. ومما يزيد في تأكيد هذه النقطة هو شن الماويين في بوتان لحرب العصابات.
مشكلة الماويين النيباليين هي أنهم يمتلكون وجهة نظر قومية ضيقة. لا يمكنهم أن يروا الصراع الطبقي المتصاعد في العالم بأسره. لا يمكنهم فهم حدة الأزمة الاقتصادية التي تتطور. مستقبل المنطقة بأسرها هو احتداد الصراع الطبقي. هذا هو المنظور الذي يتوجب عليهم أن يبنوا على أساسه. بالرغم من أن النيبال بلد صغير ومتخلف لكي يبني الاشتراكية، فإنه يمكنه أن يصير الشرارة التي تشعل كل شبه القارة الهندية.
Source: Marxy.com