Celia Hart Santamaría
وصل إلى علمنا للتو الخبر المأساوي بوفاة سيليا هارت سانتا ماريا، 45 سنة، وآبيل هارت سانتا ماريا، 48 سنة، ابني آرماندو هارت دافالوس وهايدي سانتا ماريا، في حادثة مرور.
وقعت الحادثة عصر يوم الأحد، 07 شتنبر، في مقاطعة ميرامار بهافانا. لا نعرف تفاصيل الحادثة، لكن يبدو أن سيارتهم اصطدمت بشجرة. يمكن أن يكون للظروف الجوية السيئة، بسبب الإعصار الأخير، علاقة بهذه الحادثة.
تم حمل جثماني سيليا وآبيل إلى ريفيرو، كالزادا و ك، حيث أعد الموكب الجنائزي للسير نحو مقبرة كولومبوس، حيث دفنا اليوم [08 – 09 - 2008] على الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت الحالي.
تنحدر سيليا هارت من عائلة من الثوريين المخضرمين الذين كافحوا ضد دكتاتورية باتيستا إلى جانب فيديل كاسترو. كانت سيليا مدافعة صريحة عن التراث الثوري لليون تروتسكي. وقد خلقت مقالاتها في هذا الشأن، والتي نشرت على موقع الماركسيين الإسبان El Militante وكذا على موقع Marxist.com، نقاشا حادا حول تروتسكي لا سواء داخل كوبا أو على الصعيد الأممي.
ولدت سيليا هارت شهر يناير 1963، بعد أشهر قليلة من أزمة الصواريخ الكوبية. كانت أمها هايدي سانتا ماريا ("أروع إنسان عرفته على الإطلاق") مناضلة ثورية منذ صغر سنها، وشاركت إلى جانب فيديل كاسترو في الهجوم الشهير على ثكنة المونكادا، حيث فقدت أخاها وحبيبها.
أما أبوها، آرماندو هارت، فقد انخرط في النشاط السياسي عبر طريق مختلف: فخلال الأيام السوداء في ظل نظام باتيستا الدكتاتوري، بدأ النضال كمحام شاب وانخرط في التحريض السياسي وصار زعيما طلابيا في الجامعة. كان عضوا في الحركة الثورية الوطنية (Movimiento Nacional Revolucionario) بقيادة الأستاذ الجامعي، غارسيا بارسينا، الذي عارض نظام باتيستا وسجن قبل عملية الهجوم على ثكنة المونكادا.
آرماندو هارت وهايدي سانتا ماريا وهبا حياتهما للقضية الثورية وناضلا معا إلى جانب فيديل كاسترو وتشي غيفارا. وعندما تم إسقاط نظام باتيستا، صار آرماندو أول وزير للتعليم في ظل الثورة وصارت هايدي سانتا ماريا رئيسة دار الأمريكيتين (Casa de las Américas)، والتي كانت هي، في الواقع، مؤسستها.
لقد عارضت هايدي سانتا ماريا دائما ما سمي بـ ’سفيتت‘ (‘sovietization') كوبا، أي محاولة فرض البيروقراطية الستالينية والأفكار والمناهج الدوغمائية الستالينية على كوبا. ففي دار الأمريكيتين لم يكن هناك أي مجال للدوغمائية أو لما أسمي بالواقعية الاشتراكية. وقد سيرت تلك الدار بمساعدة كوكبة من المواهب: بينيديتي، غاليش، ماريانو رودريغيث وآخرون. إلى أن انتحرت بشكل مأساوي سنة 1980. ومن جهته، قطع آرماندو هارت مشوارا علميا لامعا، وهو الآن، وبعد أكثر من عشرين سنة قضاها وزيرا للثقافة، مكلف بمكتب برنامج المريخ (Oficina del Programa Martiano).
تتحدث سيليا هارت عن نشأتها قائلة: "ومن ثم فإنني نشأت في عين الإعصار، في ظل الحب الجارف من جانب أمي والذكاء والإخلاص للعلم من جانب أبي، وكلاهما منخرطان بشكل حازم في الحياة السياسية الكوبية." سنة 1980، وبعد شهر واحد من انتحار أمها، قررت سيليا دراسة الفيزياء في جامعة هافانا. بعد سنتين ذهبت إلى جامعة دريسدن بجمهورية ألمانيا الديمقراطية لمتابعة دراستها.
واصلت سيليا دراساتها إلى حين التخرج سنة 1987، وكانت أول فتاة أجنبية تتخرج من تلك الجامعة. عادت بعد ذلك إلى هافانا، حيث اشتغلت حتى السنة الماضية في الجامعة، وقد نشرت حوالي 15 عمل متخصص في المغنطيسية (magnetism) والموصلية الفائقة (superconductivity). شاركت أيضا في عدد من المؤتمرات العلمية في إيطاليا والبرازيل والأرجنتين.
وقد أخبرتني سيليا عن هذه المرحلة من حياتها قائلة:
"سنة 2004 كان من المفترض في أن أنهي رسالة الدكتوراة في الفيزياء، لكن وفي حين كنت أضع اللمسات الأخيرة على عمل في الفلسفة، كجزء من رسالة الدكتوراة، اكتشفت أن ولهي العظيم بالفيزياء لم يكن هدفا في حد ذاته، بل فقط وسيلة لتحقيق الهدف."
واسترسلت قائلة:
"خلال مقامي بجمهورية ألمانيا الديمقراطية، اكتشفت أنه كان هناك تناقض بين واجب الاشتراكية المتمثل في النضال من أجل عالم أفضل وبين النظام البيروقراطي، وخنق جميع المبادرات وشعور اللامبالاة السائد الذي وجدته في ذلك البلد، بالرغم من الظروف المعيشية الجيدة. أصبت بالنفور من صور هونيكير (Honecker ) المبالغ فيها والموجودة على واجهة جميع الدكاكين. "
في ذلك الوقت بدأت سيليا تتطور، ببطء لكن بثبات نحو التروتسكية، وهو ما وصفته بالكلمات التالية:
"سنة 1985 عدت إلى كوبا في عطلة مدرسية وأفضيت إلى أبي بمشاعر الإحباط الشديد التي أشعر بها. وردا على قولي فتح أبي خزانة وأخرج منها أربعة كتب: ثلاثية إسحاق دويتشر عن حياة تروتسكي وكتاب تروتسكي الثورة المغدورة. التهمت تلك الكتب، لكن لم تتح لي الفرصة لحدود الشهور القليلة الماضية أن أقرأ باقي أعمال تروتسكي."
وتواصل سيليا قائلة:
"منذ تلك اللحظة بدأ كل شيء يصبح مفهوما. استوعبت كيف تمت خيانة الثورة الروسية، وليس الروسية وحدها، وكيف تم خداع ملايين الرفاق."
لكن لم ينشر أي من أعمال سيليا داخل كوبا، ماعدا مقدمة لكتاب ألفته أمها تحت عنوان: "هايدي تتحدث عن المونكادا" (Haydée habla del Moncada). نشرت كتاباتها أول مرة على صفحات موقع El Militante وموقع Marxist.com (أنظر: The Flag over Coyoacán) والمجلة الإسبانية Marxismo Hoy. وفيما بعد عملنا على نشر أحد كتبها بالإسبانية تحت عنوان: "Apuntos Revolucionarios" (ملاحظات ثورية)، والذي قدمته للعموم في إسبانيا وكوبا مؤسسة فريدريك إنجلز.
مناضلو التيار الماركسي الأممي هم أول من اتصلوا بسيليا هارت ومكنوها من فرصة الدخول في علاقة مع الحركة التروتسكية الأممية. وقد حضرت مؤتمرنا سنة 2004 وكانت لها نقاشات مكثفة مع الرفاق القياديين في الأممية. ومباشرة بعد ذلك كتبت قائلة:
"لقد عدت للتو بعد أن حضرت المؤتمر العالمي للتيار الماركسي. لقد كانت تجربة هامة جدا بالنسبة إلي. التقيت رفاقا رائعين من باكستان، إسرائيل، إسبانيا والولايات المتحدة... وأرى أنني لست وحيدة، وأن نفس الأفكار التي أدافع عنها تنتشر في كل أنحاء العالم. إنها أفكار المستقبل. أشكر جميع الرفاق على أسعد صيف قضيته في حياتي.
"فصل جديد وبهيج من حياتي ينفتح أمامي. إنه شعور غريب جدا. فقبل أقل من سنة كنت باحثة في الفيزياء بجامعة هافانا، والآن لا أدري ماذا يخبئ لي المستقبل. لكنني أعرف أن العلم والمنهاج لعلمي، هو أفضل منهاج لخوض هذا الصراع الثوري المثير."
منذ ذلك الوقت بقيت سيليا على علاقة منتظمة مع التيار الماركسي الأممي وتكلمت في اجتماعاتنا في عدة بلدان. خلال شهر فبراير من هذه السنة تحدثت في حفل تقديم كتاب ليون تروتسكي "الثورة المغدورة" الذي ينشر لأول مرة في كوبا، من تنظيم مؤسسة فريدريك إنجلز وبحضور أزيد من 100 شخص، في معرض هافانا للكتاب.
كانت سيليا هارت دائما شديدة الإيمان بأفكارها وبالنضال من أجل الاشتراكية. لقد كانت لدينا العديد من النقاشات معها. غالبا ما كانت تنتهي تلك النقاشات بالاتفاق وفي بعض الأحيان لا، لكن وخلال جميع نقاشاتنا معها كان يسود دائما شعور دافئ بالرفاقية والصداقة وكانت تتحدث دائما بحماس عن El Militante والتيار الماركسي الأممي.
مؤخرا تحدثت في اجتماع ناجح جدا حضره 200 شخص في مونتريال، يوم 28 ماي من هذه السنة، وهو النشاط الذي ساهمنا في تنظيمه. في اليوم الموالي كان هناك لقاء حول الثورة الدائمة من تنظيم التيار الماركسي الأممي وقد أخذت الكلمة فيه أيضا. على حد علمي كان ذلك آخر لقاء جماهيري تحدثت فيه، بالرغم من أننا كنا نزمع استدعائها للتحدث في حفل تقديم كتابي الجديد Reformism or Revolution في معرض هافانا للكتاب خلال شهر فبراير المقبل.
مع الأسف، لم يعد هذا ممكنا. حيث أن حادثة مأساوية اختطفت منا رفيقة وصديقة غالية جدا ومحبوبة جدا. لكن ذكراها تعيش في قلوب وعقول جميع هؤلاء الذين عرفوها من بيننا. وفوق كل شيء، تعيش الأفكار التي دافعنا عنها معا وتزدهر وتزداد قوة يوما بعد يوم. هذا أفضل تكريم كانت سيليا لتطلبه.
وداعا أيتها الرفيقة سيليا! سوف نواصل الكفاح!
Hasta la Victoria Siempre! [حتى النصر دوما!]
آلان وودز، لندن 08 شتنبر
بعثنا اليوم بالرسالة التالية إلى كوبا:
"العزيزة غراسييلا، لقد تلقينا للتو الأخبار المأساوية عن موت سيليا وآبيل. لقد كان لنا الحظ في اللقاء مع سيليا وتقاسم الأفكار معها، لا سواء في كوبا أو في إسبانيا أو في أماكن أخرى من أوروبا. لقد أمضينا معا ساعات طوال في الحوار والنقاش. نبعث بتعازينا الصادقة لأقاربها وأصدقائها ورفاقها وخاصة إلى أبيها آرماندو هارت وابنيها خوليان وخوسيه إرنيستو.
من الصعب علينا إيجاد العبارات لوصف ما نشعر به خلال هذه اللحظة المأساوية. إننا نعاهد أنفسنا بمواصلة النضال من أجل المستقبل الاشتراكي للإنسانية وهو المستقبل الذي آمنت به سيليا بحماس شديد.
نطلب منكم أن تبلغوا هذه الرسالة إلى آرماندو هارت وإلى أبناء سيليا.
تقبلوا منا أحر التحايا،
آلان وودز، خوردي مارتوريل وجميع الرفاق مناضلي التيار الماركسي الأممي ومؤسسة فريدريك إنجلز."
Source: Marxy.com