شرع لينين آنذاك في بحث نظري كبير للإمبريالية والذي بلغ ذروته في مؤلفه الهام "الإمبريالية أقصى مراحل الرأسمالية". من بين أسباب تأليفه لذلك الكتاب الرد على كتاب هيلفردنغ "الرأسمال المالي"، الذي نُشر في عام 1910 ، والذي قام فيه هذا الأخير بتجاهل التناقضات المتأصلة في الرأسمالية وحتمية الصراع بين الإمبرياليين، وتحدث عن إمكانية ظهور كارتل عالمي، واقتصاد مخطط عالميا في ظل الرأسمالية الاحتكارية وحل النزاع بين العمل المأجور والرأسمال، أو فكرة "الرأسمالية المنظمة"، التي هي نسخة مبكرة لفكرة "الرأسمالية الموجهة" التي كانت محبوبة جدا عند القادة الإصلاحيين خلال الخمسينات والستينات. وقد اعتمد كاوتسكي في وقت لاحق على فكرة هيلفردنغ حول الرأسمالية المنظمة لبناء نظريته عن الإمبريالية العليا، وهي الفكرة التي انتقدها بوخارين في كتابه "الإمبريالية والاقتصاد العالمي"، الذي عبر لينين عن إعجابه به.
[Source]
لم تكن تلك هي المحاولات الوحيدة لإعادة النظر في نظريات ماركس الاقتصادية. ففي كتابها "تراكم الرأسمال"، الذي كتب قبل فترة وجيزة من الحرب ، كانت روزا لوكسمبورغ قد طرحت فكرة الانهيار التلقائي للرأسمالية، وهي الفكرة التي طالما استخدمها التحريفيون منذ ذلك الحين للتقليل من دور العامل الذاتي في إنجاز التحويل الاشتراكي للمجتمع. وكما هو الحال دائما كانت مهمة لينين الرئيسية هي تكوين الكوادر. لقد خاض نضالا إيديولوجيا شرسا على جبهتين: ضد الانتهازية وضد اللاسلطوية النقابية. وفي وقت لاحق انخرط الستالينيون في محاولات خبيثة لربط نظرية تروتسكي عن الثورة الدائمة بتصورات المناشفة والبلاشفة "اليساريين" -بوخارين ، بياتاكوف ، وبوش!-. في الواقع لا توجد أية علاقة على الإطلاق بين "الثورة الدائمة" وبين ذلك الرفض الطفولي للمطالب الديمقراطية الذي كان هؤلاء "اليساريون" يتبنونه. وبالتالي من المحتمل جدا أن تكون هجمات لينين على "الثورة الدائمة" في تلك الفترة إنما كانت موجهة ضد هؤلاء.
كان للتجنيد تأثير كبير على الطبقة العاملة، فقد تم استدعاء 17% من كوادر الطبقة العاملة في بتروغراد، بما في ذلك جميع الشباب تقريبا. ولتعويضهم اكتسحت المصانع حشود من الجماهير التي كانت تفتقد للوعي السياسي، ومرة أخرى جرى تمييع الهوية الطبقية للقوى العاملة بعناصر خام وشبه بروليتارية. أرسلت الفئات الأصغر والأكثر حيوية من المدينة والقرية إلى جبهات القتال. وسحب عدد كبير من النساء والمراهقين إلى المصانع. وقد جاءت تلك العناصر الجديدة بأوهامها الطبقية وأحكامها المسبقة معها. أما البروليتاريا الصناعية فقد تم دفعها جانبا. اضطر العمال البلاشفة إلى أن يطأطؤوا رؤوسهم لفترة من الزمن. صارت ظروف العمل أكثر فأكثر سوءا والأجور أقل، وتم فرض "الانضباط العسكري" في المصانع. تراجع المستوى السياسي العام على المدى القصير، لكن الضغط القاسي على العمال وبلترة فئات جديدة كان بدوره يمهد الطريق لحدوث انفجار جديد. كان الحزب نفسه قد تفكك، ولم يستعد بعض مظاهر التنظيم إلا بشكل تدريجي. لكن أفكار وتقاليد البلشفية كانت ما تزال حية في المصانع والخنادق. وتعكس إحصاءات الإضرابات، تراجع الحركة، كما يبين الجدول التالي:
إحصاءات الإضراب في عام 1914
عدد المضربين | عدد الإضرابات | الشهور |
4.688 | 4 (أقل بـ 40% عن يونيو) | غشت |
10 | شتنبر | |
9 | أكتوبر | |
16 | نوفمبر | |
9 | دجنبر |
المصدر: Istoriya KPSS, vol. 2, p. 538.
وفقا للأرقام الرسمية ، لم تشهد كل الفترة الممتدة من غشت إلى دجنبر 1914 سوى 70 إضرابا، مع 37.200 مشارك في كل روسيا. وفي إيفانوفو-فوزنسينسك، التي كانت أحد المراكز الرئيسية لنضالات العمال، توقفت الإضرابات بشكل شبه كلي، بحيث لم يتم تسجيل سوى إضراب واحد صغير طيلة تلك الأشهر. ولم تكن الأوضاع أفضل بكثير في بتروغراد.