تعيش الجزائر، منذ يوم 22 فبراير الماضي، على وقع مظاهرات جماهيرية حاشدة عمت كل ربوع البلد، وهي الاحتجاجات التي تعتبر الأكبر من نوعها منذ حراك العروش في يونيو 2000.
[Source]
انطلقت المسيرات عندما أعلن مكتب بوتفليقة نية هذا الأخير الترشح لولاية خامسة، وهو ما أثار غضب الشباب الجزائري وأفاض كأس الصبر الذي طالما امتلأ على مدى عقود. لقد جاءت مفاجئة للجميع لكنها لم تأت معزولة، بل جاءت في سياق تصاعد نضالات شعبية أخرى حيث عرفت 2018 نهوضا نضاليا واسعا من أبرز محطاته إضراب الأطباء المقيمين والإضرابات في قطاع التعليم وانتفاضات شعبية قوية في بشار وورقلة، جنوب الجزائر...
نهاية مرحلة وبداية أخرى
إن هذه الاحتجاجات بعمقها واتساعها والكفاحية العظيمة التي تميزها تشكل بالفعل مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الطبقي بالجزائر والمنطقة ككل. كان النظام الجزائري قد تمكن خلال السنوات القليلة الماضية من المرور سالما من الموجة الثورية التي اجتاحت شمال افريقيا والشرق الأوسط منذ 2011، بفعل المزاوجة بين التنازلات المادية لبعض الفئات الشعبية وبين الابتزاز الإجرامي بـ "خطر الرجوع إلى سنوات الحرب الأهلية" التي عاشتها الجزائر خلال التسعينيات.
لطالما مارس هؤلاء المجرمون سياسة الابتزاز ضد الشعب بتهديده بالعشرية الدموية، التي تعاون خلاها الجيش والتيارات الاسلامية على تخريب البلد وقتل ما لا يقل عن 250 شخص. وهي نفس النغمة التي ما يزالون يكررونها ضد الاحتجاجات الأخيرة، فقد صرح نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح، في خطابه بعد اندلاع الاحتجاجات أن "ثمن استرجاع أمن الجزائر واستقرارها كان عظيما وكبيرا، وأن الحفاظ على هذا المكسب الغالي جدا". وأضاف إن: "العقل السليم والتفكير السوي والموضوعي، يستدعي بالضرورة النظر والتأمل في الحصيلة الأمنية المحققة بعد سنوات الحمر التي مرت بها الجزائر، فالحصيلة تؤكد أن مهر استرجاع أمن الجزائر واستقرارها كان عظيما...".
كما لم ينس رئيس الوزراء أحمد أويحيى أن يذكر كل من يريد الاستماع إليه بتلك الفترة، حيث أشار إليها عدة مرات وخاصة في خطابه أمام البرلمان، وهدد كذلك بخطر الانزلاق إلى ما عرفته سوريا خلال السنوات الأخيرة، ولسان حاله يقول: "إما الاستسلام والخنوع أو سنطلق عليكم نهر الأشيرون"[1] لكن المتظاهرين ردوا عليه في الشوارع قائلين: "أويحيى، الجزائر ليست سوريا".
إن ما نراه اليوم في شوارع الجزائر دليل على أن الخوف قد غير معسكره وانتقل إلى جهة الطبقة السائدة والعصابة الحاكمة. وها هو الشعب الجزائري ينهض مجددا وها هو يستعيد تقاليده الثورية العظيمة.
وأمام كفاحية الجماهير التي لم توقفها القنابل المسيلة للدموع والهراوات والاعتقالات، اضطرت العصابة الحاكمة إلى تقديم "التنازلات" بشكل سريع، مما يدل على حجم الرعب الذي تملكهم. فمباشرة بعد اندلاع الاحتجاجات أعلنت وكالة الأنباء الرسمية أن بوتفليقة قد عزل مدير حملته ورئيس وزرائه السابق عبد المالك سلال وعين مكانه وزير النقل الحالي عبد الغني زعلان. لكن هذه الخطوة لم تزد الاحتجاجات إلا اشتعالا، حيث أكدت استمرار نية من يحكمون من راء جثة بوتفليقة في ترشيحه لولاية خامسة.
فعملوا بعد ذلك، يوم الأحد الماضي، على اصدار بيان باسم الجثة يعلنون فيه نيته "عدم إتمام ولايته الرئاسية" في حال فوزه في 18 بريل، و"بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة" لن يكون مرشحا فيها. وبما أن الكلمات لا تساوي شيئا، فقد عمل كاتبو ذلك البيان على تقديم كل الوعود التي يمكن أن تتبادر إلى الذهن وحتى التي لا يمكنها ذلك، إذ صرحوا على لسان جثة الرئيس: "إنني لمصمم، بحول الله تعالى، إن حباني الشعب الجزائري بثقته فيَ مجددا، على الاضطلاع بالمسؤولية التاريخية بأن ألبي مطلبه الأساسي، أي تغيير النظام". كما تعهد بـ "إعداد دستور جديد [...] يكرّس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد". و"وضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والاقصاء الاجتماعيين..."، الخ الخ.
إنهم بهذه الطريقة يريدون أن يشقوا صفوف الحركة وينزعوا فتيلها لكي يتمكنوا من استعادة المبادرة مجددا. لكن إذا كانت تلك الشرذمة الحاكمة تتوهم فعلا بأن الشعب الجزائري سيصدق تلك الوعود وسينخدع بتلك المناورة فإنهم قد فقدوا كل اتصال بالواقع. وهذا ما أثبته لهم الشعب الجزائري الذي تعامل مع البيان بالاحتقار الذي يستحقه واستمر في التظاهر بكفاحية أكبر.
الصدفة والضرورة
السبب المباشر وراء هذا النهوض الشعبي القوي هو الرفض الشعبي الواسع لمهزلة ترشيح جثة الرئيس بوتفليقة للمرة الخامسة، وقد كانت تلك الخطوة هي الصدفة التي تمكنت الضرورة من التعبير عن نفسها من خلالها. لقد تراكم كم هائل من الغضب والسخط، بفعل سنوات طويلة من الاقتطاعات والدوس على الحقوق والنهب والقمع، لكنه استمر يتراكم تحت السطح وينتظر نقطة محورية يلتف حولها، فجاء هذا الاستفزاز الأخير ففجر كل جبل البارود.
إن الجزائر بلد غني بالثروات، تمثل أكبر بلد في افريقيا (2.381.741 كلم مربع)، أي أربع مرات مساحة فرنسا، وأهم ثرواته شبابه الذين يمثلون أغلبية السكان، حيث أن نسبة الشباب أقل من 25 سنة تمثل 46% من السكان (البالغ عددهم 40 مليون نسمة)، لكنهم مهمشون مقصيون، فنسبة البطالة انتقلت من 10,5% سنة 2016، إلى 11,1% سنة 2018، وقد ضربت بالخصوص الشباب والنساء، حيث وصلت 26,4% بين الشباب ما بين 16 و24 سنة، و20% بين النساء.
كما أن الجزائر خامس أكبر منتج للغاز في العالم وتحتل المرتبة 13 في انتاج البترول. وهي الثروة التي درت على ميزانية الدولة، خلال الفترة ما بين 1999 و2014، أي في عهد بوتفليقة، 750 مليار دولار! 750 مليار دولار هو مبلغ في مقدوره أن يقضي بشكل نهائي على الفقر والبطالة في البلد ويعيد بناء الجزائر عدة مرات على جميع المستويات، لو توفر فيها نظام يقوم على التخطيط الديمقراطي للاقتصاد والرقابة الشعبية على الثروات.
لكن وبالرغم من كل تلك الثروات الهائلة فإن الجزائر بلد يتخبط في مشاكل عويصة، وليس ذهاب الرئيس للتداوي في سويسرا سوى دليل من بين آلاف الأدلة على ذلك، إذ يعني أنه وبعد 20 سنة في حكمه، وبعد 57 سنة على الاستقلال، لم يبن ولو مستشفى واحد يثق في قدرته على توفير العلاج له. كما أن الوعود التي قدموها في ذلك البيان حول نيتهم: "وضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والاقصاء الاجتماعيين..."، ليست بدورها سوى دليل آخر على الإفلاس والوقاحة في أبشع تجلياتهما.
يتضح إفلاس الطبقة الرأسمالية والعصابة الحاكمة بشكل جلي في اعتمادها الطفيلي على مداخيل البترول والغاز، عوض الاستثمار في التعليم والبنية التحتية والصناعة والبيئة وكل ما يخدم المجتمع، مما جعل البلد رهينا بتقلبات أسعار الطاقة. وبالتالي فإنه بمجرد ما تراجعت أسعار الطاقة في السوق الدولية انهارت مداخيل البلد بـ 70% منذ 2014.
هذا وتراجعت الاحتياطيات من العملة الصعبة إلى 93 مليار من 114 مليار سنة 2016. ومن المنتظر أن تنخفض إلى 76 مليار سنة 2020 أو 17 شهرا من الواردات، كما ارتفعت مديونية الدولة بالنسبة للناتج الداخلي الخام من 20,4% سنة 2016 إلى 32,9% سنة 2018. وبلغ العجز التجاري 13,7 مليار دولار للمرة الأولى منذ ربع قرن.
فبدأت الدولة في نهج سياسة تقشف وحشية لتحميل العمال وعموم الفقراء تبعات الأزمة وسياسات الطبقة الحاكمة منذ الاستقلال. أعلنت الحكومة مؤخرا أنه سيتوجب على المواطنين انتظار أوقات صعبة. وقد كانت التسريحات الجماعية هي الحل الذي لجأت إليه، كما تنوي التخلي عن دعم الكثير من المنتجات وعلى رأسها البترول، وعملت على تخفيض قيمة الدينار للمزيد من تحميل الفقراء فاتورة الأزمة. ففقد الدينار منذ 2014، 48% من قيمته مقارنة مع الدولار. وبلغ معدل التضخم 7,5% سنة 2018.
إلى جانب هذا الإفلاس الاقتصادي للطبقة السائدة، نجد الإفلاس السياسي، حيث أنه لا وجود للحريات الديمقراطية، وهو ما يعترف به حتى من كتبوا بيان بوتفليقة، الذين جاؤوا بعد 20 سنة من حكمه وأزيد من خمسة عقود على الاستقلال، ليتحدثوا عن الالتزام ببناء الديمقراطية!! وكمظهر واحد فقط على ذلك نذكر أن البلد مصنف عند الأمم المتحدة بكونه "بلدا غير حر فيما يخص الحريات السياسية"، حيث احتل سنة 2017 المرتبة 134 (من بين 180 بلدا) فيما يخص حرية الصحافة، على سبيل المثال.
رعب النظام
لقد أخذت المظاهرات النظام على حين غرة. فبعدما كان يعتقد أن الأمور تحت السيطرة وأن "الأمن مستتب"، وهو ما يظهر في الغطرسة الكبيرة التي يتعامل بها مع المطالب الشعبية وكل أشكال المعارضة، جاءت هذه الحركة التي لم يكن يتوقعها كما لم يكن يتوقع قوتها، فقلبت كل حساباته.
ورطة العصابة الحاكمة تتمثل في أنهم لا يمتلكون هامشا كبيرا للمناورة. إذ لم تعد لديهم تلك المليارات من الدولارات التي كانت لديهم سابقا لكي يقدموا بعض التنازلات المالية للمحتجين، خاصة مع الانخفاض الكبير لأسعار البترول والغاز وحجم التبذير والفساد المستشري في الدولة.
كما أن اسطواناتهم المشروخة حول الشرعية التاريخية، شرعية الثورة الجزائرية والكفاح ضد الاستعمار، لم تعد تطرب أحدا، فالجميع يعلم أنهم مجرد عصابة صادرت حقوق الشعب الجزائري وتنهب البلد وحولتها لضيعة للشركات الإمبريالية، الفرنسية والأمريكية وغيرها، أي نفس الجرائم التي قامت الثورة الجزائرية للقضاء عليها.
ثم إن الابتزاز الإجرامي الذي يمارسونه ضد الشعب بـ "الخنوع مقابل الأمن"، عبر التلويح في كل مرة بفزاعة "السنوات الحمراء"، لم يعد يجدهم نفعا، خاصة مع شباب لم يعرفوا في حياتهم من إرهاب سوى إرهاب الدولة. نعم قد يلجؤون إلى تحريك بعض العمليات الإرهابية، هنا أو هناك، أو على الأقل السماح بنجاحها، في حالة ما تواصلت الاحتجاجات وصارت تهدد النظام. لكن من المستبعد جدا أن تغامر الطبقة السائدة بالعودة إلى سنوات الحرب الأهلية، بعدما أحرقت أصابعها خلالها وتضررت مصالحها بشدة خلالها.
وهم الآن أمام مأزق حقيقي، فتراجعهم أمام المطالب الشعبية سيظهرهم عاجزين وسيزيد ثقة الجماهير بقوتها وسيرفع سقف المطالب بحيث سيتداخل المطلب السياسي بالمطالب الاقتصادية. كما أن تعنتهم يهدد بزيادة غضب الجماهير واتساع رقعة الاحتجاجات بين فئات أخرى ومناطق أخرى، وسيزيد في تعميق الشرخ الموجود في القمة. في الحرب، كما في لعبة الشطرنج، قد تأتي مرحلة يكون فيها التراجع والهجوم كلاهما سببا في الهزيمة، وقد وصلت العصابة الحاكمة في الجزائر إلى هذا الوضع.
لكنهم ليسوا وحدهم المرعوبين من النهوض العظيم للشعب الجزائري، فكل أنظمة المنطقة تتحسس مؤخرتها خوفا من الحرارة التي بدأت تصلهم. إن الطبقة العاملة الجزائرية واحدة من أقوى الطبقات العاملة في المنطقة وفي القارة بأسرها، ولها تاريخ كفاحي عريق وتقاليد عظيمة، وبالتالي فإن نهوضها وانتصارها سيشكل مصدر إلهام لكل شعوب المنطقة بل والقارة بأسرها. وبالفعل لقد بدأت الجماهير المنتفضة في شوارع السودان منذ فبراير في رفع شعارات التضامن مع الحركة التي تعرفها الجزائر، كما قام ناصر الزفزافي القيادي في حراك الريف بالمغرب ببعث رسالة تضامن للشباب الجزائري، من زنزانته، يعبر لهم فيها عن تضامنه معهم.
الإمبرياليون بدورهم، وخاصة الفرنسيون، يتابعون بقلق ما يحدث. وذلك طبيعي لأن ما يحدث في الجزائر يؤثر بالتأكيد في فرنسا. فالنظام الجزائري يلعب دور الكلب المطيع لها في المنطقة فيما يسمونه "الحرب على الارهاب" وفي محاصرة الهجرة؛ كما أنه توجد لهم مصالح كبيرة على شكل استثمارات ومبادلات: تبلغ قيمة التجارة بين البلدين 5 ملايير دولار سنويا، وتمثل الجزائر أحد أكبر مستوردي القمح الفرنسي، ومزودا مهما لها بالطاقة (10% من حاجاتها إلى الغاز، الخ) ناهيك عن الاستثمارات الفرنسية الضخمة في الجزائر، الخ.
والأهم هو وجود طبقة عاملة جزائرية كبيرة في فرنسا، ذات تقاليد كفاحية ومنخرطة في النضالات الجماهيرية التي تعرفها فرنسا مؤخرا، كما أنها تتابع باهتمام وتعاطف ما يحدث في الجزائر وتشعر بالغضب الشديد من تواطئ الطبقة السائدة الفرنسية مع العصابة الحاكمة في الجزائر.
إن ما يرعبهم هو امكانية أن تشعل هذه الحركة فصلا جديدا في الثورة في كل المنطقة، وامتداد التعاطف معها إلى أوربا نفسها وخاصة فرنسا. وذلك لأنه لا يوجد أي بلد مستقر في المنطقة بأسرها، فكل البلدان تعيش على وقع احتجاجات جماهيرية تطالب بالتغيير. إذ أن المغرب عاش خلال السنتين الماضيتين 2017- 2018 على وتيرة احتجاجات قوية في منطقة الريف وجرادة، ناهيك عن العديد من الإضرابات والإضرابات العامة والاحتجاجات التلاميذية... ويعيش خلال هذه الأسابيع على وقع احتجاجات عمالية وشبابية قوية، رأس حربتها الأساتذة الذين فرضت عليه عقود العمل المؤقتة والشباب العاطل.
كما أن تونس تعرف بدورها اندلاع مظاهرات عارمة ضد غلاء الأسعار ومختلف أشكال الاستغلال والقهر. وكان الأردن قد شهد احتجاجات قوية في يونيو 2018 ضد الزيادة في الضرائب، أدت إلى اسقاط الحكومة. وعرف العراق بدوره احتجاجات قوية في البصرة خلال شهر يوليوز وشتنبر الماضيين. بل حتى إيران نفسها شهدت خلال السنة المنصرمة خروج المحتجين إلى الشوارع في عدة مناسبات. وها هو السودان يعيش على وقع احتجاجات قوية لم ينجح لحد الآن نظام البشير الدكتاتوري في إيقافها، بالرغم من الرصاص والاعتقالات وغيرها من الأساليب الاجرامية الوحشية.
الحاجة إلى الحزب الثوري
إن الفقر والتهميش والقهر القومي الذي تعيشه شعوب المنطقة ليس قضاء وقدرا، إنه نتيجة للأنظمة الرأسمالية السائدة في المنطقة. المنطقة المغاربية غنية بالثروات، ويمكنها، في ظل اقتصاد اشتراكي مخطط بطريقة ديمقراطية، أن تصير جنة فوق الأرض لصالح شعوب المنطقة بأسرها وليس لصالح شرذمة من اللصوص كما هو عليه الحال اليوم. لكن هذا يفترض إسقاط الرأسمالية والأنظمة الدكتاتورية والقطع مع الإمبريالية،يفترض الثورة الاشتراكية وحسم الطبقة العاملة للسلطة.
وقد أثبتت الجماهير مرارا وتكرارا، في الجزائر وعموم المنطقة، رغبتها في التغيير وقدرتها على التغيير. ليس هناك من تضحية لم تقدمها خلال هذه السنوات الأخيرة من أجل تغيير أوضاعها، واجترحت أعظم البطولات في مواجهة القمع بشتى أنواعه وأشكاله. لكن المشكلة هي غياب القيادة الثورية التي يمكنها توحيد تلك النضالات وإعطائها برنامجا علميا.
القادة الإصلاحيون للنقابات العمالية والأحزاب اليسارية الرسمية فاسدون تماما ومفلسون. لقد صاروا مجرد خونة في خدمة الأنظمة السائدة، لا يعرفون من النضال سوى المشاركة في الانتخابات والبرلمانات والحوارات، وتخلوا نهائيا عن أي منظور ثوري. بل إن الكثير منهم تحول إلى أداة لتمرير سياسات التقشف والهجمات على مكتسبات وحقوق الطبقة العاملة والشباب.
على الشباب الثوري والمناضلين الماركسيين أن يحملوا على عاتقهم مهمة بناء حزب عمالي ماركسي ثوري من قبيل الحزب البلشفي الذي تمكن سنة 1917 من قيادة الطبقة العاملة الروسية إلى حسم السلطة وبناء دولة مجالس العمال والفلاحين الفقراء. إن هذه المهمة ضرورية وآنية، فبدونها لا إمكانية لأي انتصار بالرغم من كل التضحيات الجسام. بدونها ستبقى نضالات الجماهير تتبدد هباء، مثلما يتبدد البخار عندما لا يجد المكثف. وليس هناك من يقوم بها لنا إن لم نقم بها بأنفسنا.
ولكي نقوم بذلك علينا أن نثق في طبقتنا، أي الطبقة العاملة، التي هي الطبقة الوحيدة التي تخلق كل الثروة في المجتمع، ونتسلح بالأفكار الماركسية، لأننا بذلك سنبني القوى الضرورية لقيادة الكفاح من أجل تغيير المجتمع، للقضاء على نظام القسوة والظلم والاستغلال والعبودية هذا، وتحقيق انتصار الاشتراكية في الجزائر وفي شمال افريقيا وجميع أنحاء العالم.
هوامش:
[1]: الأشيرون: نهر ورد في الميثولوجيا اليونانية وهو من أنهار الجحيم