تجدون في ما يلي البيان الذي أصدره التيار الماركسي الأممي للمشاركة في المظاهرات العالمية التي دعت إليها حركة “إضراب الشباب من أجل المناخ” يوم 15 مارس 201. ونحن نعيد نشره لأنه يحتفظ بكل راهنيته ويوضح التصور الماركسي الثوري لحل مشكلة المناخ وإنقاذ الكوكب من الخراب الذي تجره إليه الرأسمالية.
[Source]
“المحيط آخذ في الهيجان، ونحن أيضًا”، هذا ما كتب في إحدى اللافتات خلال مظاهرات حركة “إضراب الشباب من أجل المناخ” الأخيرة في لندن. لقد نزل الشباب في جميع أنحاء العالم إلى الشوارع للتصدي للقضية الملحة لعصرنا، أي الكارثة المناخية الوشيكة. هذه الإضرابات الشبابية، التي انطلقت من السويد في غشت الماضي مع الاحتجاجات الأسبوعية لطالبة واحدة، غريتا ثونبرغ، سرعان ما انتشرت على الصعيد العالمي. وتشهد جميع البلدان الوضع نفسه، إذ أن هناك جيلا جديدا من الشباب الراديكالي بدأ يدخل ساحة النشاط السياسي ويطالب بالتحرك وتغيير النظام لتفادي الدمار البيئي.
لم يعد تغير المناخ شيئا من المستقبل. إذ بالفعل أصبحت الأعاصير أكثر قوة، والغابات تحترق ويموت الناس بسبب موجات الحر والجفاف والفيضانات والمجاعة. وقد صارت مثل هذه الأحداث الجوية المتطرفة هي القاعدة وليس الاستثناء.
المحيطات ملوثة بالنفايات البلاستيكية والكيميائية، مما يتسبب في قتل الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية. وموارد المياه الجوفية تتعرض للاستنزاف أو التلويث، مما يؤدي إلى ندرة هذا المورد الأكثر حيوية. وكل عام تنقرض العديد من الأنواع بفعل تدمير النظم البيئية.
هناك حاجة إلى تحرك فوري. من الضروري التخفيض بشكل كبير في الانبعاثات ومستويات التلوث. ويجب اتخاذ تدابير وقائية واسعة النطاق مثل بناء دفاعات ضد الفيضان وإعادة غرس الغابات. لكن الرأسماليين وممثليهم السياسيين غير قادرين نهائيا على إجراء التغييرات الجذرية المطلوبة.
لا بد من عمل عالمي لحل المشكلة العالمية، لكن الحكومات الرأسمالية عاجزة. إلا أن هذا التقصير من طرفهم لا يعود إلى مجرد غياب الإرادة السياسية، إذ أن سلبية “قادة العالم” بخصوص هذه المسألة ليست لأنهم يفتقرون إلى العزيمة، بل لأن مهمتهم الأساسية هي الدفاع عن النظام الرأسمالي، وليس عن مستقبل البشرية أو الكوكب.
صرحت غريتا ثونبرغ في كلمتها أمام مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ:
«إذا كان من المستحيل إيجاد حلول داخل هذا النظام، فربما يتعين علينا تغيير النظام نفسه. نحن لم نأت إلى هنا لكي نتوسل لقادة العالم بأن يبدوا الاهتمام. لقد تجاهلتمونا في الماضي وسوف تتجاهلوننا مرة أخرى. لقد نفدت الأعذار وها هو الوقت ينفد. لقد جئنا إلى هنا لكي نعلمكم أن التغيير قادم، سواء أعجبكم ذلك أم لا. إن القوة الحقيقية ملك للشعب».
تذهب هذه الكلمة مباشرة إلى لب المسألة. وتشير ثونبرغ إلى أنه يتم تجاهل العلماء، وتطالب الحكومات بالاستماع إلى الأدلة والتوجيهات العلمية. لكن الرأسماليين والسياسيين لن يقتنعوا بالحجج الأخلاقية ولا بالحقائق والأرقام. ففي النهاية لا يمكننا أن نتوقع من هذه النخبة المنفصلة عن الواقع أن تفعل أي شيء لحماية الأرض، لأن معيارها الوحيد هو الرفع من الأرباح على حسابنا نحن جميعا.
النظام الاقتصادي الحالي، أي الرأسمالية، هو الذي يقتل كوكبنا. إن سعيه الحثيث لتحقيق أقصى ربح في أقصر الآجال هو المسؤول عن هذا السباق نحو الهاوية حيث التدمير المستمر للبيئة وللظروف المعيشية. إن الشركات الكبرى هي التي تقرر ما الذي يتم إنتاجه وكيف يتم إنتاجه، لكن هذا لا يتم وفق أي خطة. وبدلا من ذلك فإن اقتصادنا متروك لما يسمى بـ “اليد الخفية”، أي لفوضى السوق.
ستضرب الشركات عرض الحائط بكل المعايير والقوانين حيثما كان ذلك ضروريا من أجل تخفيض التكاليف، والتغلب على منافسيها، والاستيلاء على أسواق جديدة، وتحقيق أقصى قدر من الأرباح.
فضيحة انبعاثات فولكس فاجن تبين هذا الواقع بوضوح. ومعظم الشركات الكبرى المصنعة لسيارات الديزل تغش في اختبارات محركاتها، وتعمل على مراوغة المعايير المحددة للانبعاثات. في حين يقدم السياسيون إعفاءات ضريبية عن سيارات الديزل، والنتيجة هي انخفاض حاد في نوعية الهواء في المناطق الحضرية.
الجسيمات البلاستيكية مثال آخر. لقد تسببت الشركات -التي تركت لها الحرية المطلقة في سعيها نحو الربح- في تلويث المحيطات والكائنات الحية فيها بقطع صغيرة من البلاستيك. كان من الممكن بسهولة التنبؤ بنتائج ذلك (وتجنبه) بشكل مسبق. لكن النظام لا يتفاعل إلا بعد حدوث الضرر بالفعل، ولا يقوم بذلك إلا بطريقة محدودة.
ليس عند السياسيين الرأسماليين ما يقدمونه في مواجهة هذا التدمير. كل ما يمكن لهم أن يقترحوه هو أننا يجب أن نجتمع سويا ونتخذ خيارات فردية للحد من تأثيرنا على البيئة.
لكن “الحلول” التي تنبع من هذا هي حلول رجعية بالكامل. إنها في جوهر الأمر مجرد “ستار أخضر” للتقشف، إذ يخبرون العمال والفقراء أنه يتعين عليهم شد الأحزمة من أجل حل مشكلة خلقها الرأسماليون ونظامهم الفاسد.
والأهم من ذلك هو أن هذا “الحل” الليبرالي الفرداني يتعارض مع كل الحقائق. لقد أظهرت دراسة حديثة أن 100 شركة كبيرة (والتي هي في أغلبها شركات عملاقة لإنتاج الوقود الأحفوري) مسؤولة عن أكثر من 70% من مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة.
يوضح لنا هذا الجهة التي يجب أن يلقى عليها اللوم الحقيقي في تغير المناخ، لكنه يشير أيضا إلى الطريق إلى الحل. إن هذه الاحتكارات الكبرى تتحمل المسؤولية الأكبر في الأضرار البيئية، فإذا تم تأميمها في إطار مخطط اشتراكي للإنتاج، سيصير من الممكن أن تستخدم التقنيات الخضراء الحديثة لخفض الانبعاثات والتلوث في غضون بضع سنوات.
من خلال التعاون بين أفضل العقول العلمية وأمهر العاملين في الصناعة، تحت الرقابة العمالية الديمقراطية، سيصير في إمكاننا أن نضع كل قدرات المجتمع وموارده التكنولوجية في خدمة الإنسانية والكوكب.
إن الحركات السياسية والاجتماعية اليسارية آخذة في النمو في جميع أنحاء العالم. وتتمثل المهمة الآن في دمج كفاحية وتجذر إضرابات الطلاب من أجل المناخ مع هذه الحركات الأوسع، حيث يناضل العمال والشباب معا من أجل سياسات بيئية اشتراكية ثورية.
في بعض البلدان توجه المضربون من أجل المناخ بشكل صحيح نحو النقابات العمالية للحصول على الدعم. هذا هو النهج الصحيح. يجب على النقابات الآن أن تستجيب من خلال دعم الطلاب بتنظيم التعبئة والإضرابات. إن هذه ليست مجرد مشكلة خاصة بالشباب، بل هي شيء يؤثر على جميع العمال.
ليس هناك ما يمكنه أن يهزم قوة الطبقة العاملة المنظمة والمسلحة ببرنامج اشتراكي. فكما يؤكد الماركسيون دائما: لا يمكن لأي مصباح أن يضيء ولا لعجلة أن تدور دون إذن الطبقة العاملة.
إن استغلال موارد الكوكب بطريقة عقلانية ديمقراطية رهين بالقضاء على النظام الرأسمالي واستبداله بالاشتراكية. ووحده التحويل الاشتراكي للمجتمع ما سيمكننا من تلبية احتياجات الأغلبية في انسجام مع البيئة، بدلا من تحقيق الأرباح لأقلية طفيلية.
التكنولوجيا والعلوم موجودة لحل مشكلة تغير المناخ، لكنها في ظل الرأسمالية تتسبب في تدمير الكوكب وليس في إنقاذه. إما الاشتراكية أو الهمجية: هذا هو المستقبل أمامنا. لذا فإنه لا بد من الثورة الاشتراكية.
- من أجل التعبئة الشاملة لمسيرة 15 مارس!
- الرأسمالية هي المشكلة، الاشتراكية هي الحل!
- انضموا إلى التيار الماركسي الأممي!