هذا المقال لتروتسكي، حول فلسفة “الإنسان الأعلى”[1] عند نيتشه، نشر لأول مرة في جريدة فوستوشنوي أوبوزريني، أعداد: 284، 286، 287، 289، أيام 22، 24، 25، 30 دجنبر 1900.
[Source]
صارت صحفنا ودورياتنا، في الآونة الأخيرة، تقف باحترام لا يصدق “في حضرة الموت”. هناك أدباء لا نطلب منهم أي شيء ولا نتوقع منهم أي شيء، وذلك لسبب بسيط وهو أنه ليس لديهم ما يمكنهم أن يقدموه: فهم يفتقرون حتى إلى ورقة تين تخفي عريهم عند الحاجة إلى ذلك. وبالتالي فمن الطبيعي ألا نبالي بمدحهم أو بانتقاداتهم، ونترك للموتى أنفسهم مهمة دفن موتاهم.
لا يتعلق الأمر هنا بهؤلاء، بل بأولئك المثقفين (hommes de lettres) الذين نتوقع منهم موقفا سليما تماما تجاه الظواهر الأدبية والاجتماعية، حتى لو غطاهم حجاب الموت.
لقد دفنت روسيا مؤخرا كلا من ج. أ. دجانشييف[2] وف. س. سولوفيوف[3]، في حين دفنت أوربا و. ليبكنخت[4] وف. نيتشه. سيكون من الوقاحة بالتأكيد “الدوس على الجثث”، إذا أردنا استخدام تعبير ن. ك. ميخايلوفسكي[5]. لكننا ربما نظهر مزيدا من الاحترام للشخص الذي صاغ نظاما فكريا عن طريق وضعه في مكان يتوافق مع قيمة إنتاجه الفكري والاجتماعي والأدبي، عوض ذلك الثناء المفرط من طرف أعدائه. من المشكوك فيه للغاية أن يكون ليبكنخت ليرضى بالمديح الذي خصته به صحيفة موسكوفسكي فيدوموستي[6] أو صحيفة نوفوي فريميا[7]، تماما مثلما لن يرضى نيتشه بمديح فوروارتس[8] أو روسكوي بوغاتستوف[9]. علينا أن نتذكر أن الإسكندنافي كيلاند[10] يؤكد -ونحن نصدقه طبعا- أن مديح الصحافة الراديكالية له يجعله أقل سعادة وأقل رضا مما لو تعرض لإهانات الصحفيين الرجعيين.
إذا كان يجب علينا أن نختار بين أن نتحدث “بشكل جيد” عن الموتى أو ألا نقول شيئا على الإطلاق، فمن الأفضل في هذه الحالة الالتزام بصمت مهيب بدلا من حجب الدلالة الاجتماعية للمتوفى بسيل من المديح المتملق الخالي من المعنى. يمكننا ويجب علينا أن نتخذ موقفا نزيها تجاه أعدائنا الطبقيين من خلال التنويه المستحق بصدقهم ومختلف مميزاتهم الفردية. لكن العدو، سواء كان صادقا أم لا، حيا أو ميتا، يبقى عدوًا، وخاصة ذلك العدو الذي يستمر حيا من خلال أعماله حتى بعد وفاته. فإذا لزمنا الصمت نرتكب جريمة اجتماعية. قال مفكر روسي شهير: “عندما لا تعارض بشكل نشيط، فإنك تدعم بشكل سلبي”. ولا ينبغي نسيان هذا، حتى في مواجهة مأساة الموت.
لقد دفعتنا هذه الأفكار إلى تكريس بضع كلمات عن الفيلسوف فريدريك نيتشه، الذي توفي مؤخرا، ولا سيما عن جوانب عقيدته التي تتعلق بمفاهيمه وأحكامه عن المجتمع والأشياء التي يتعاطف معها والتي يعارضها وانتقاداته الاجتماعية ومثاله الأعلى الاجتماعي.
يعتبر كثير من الناس أن حياة نيتشه وشخصيته تفسران فلسفته. فلأنه إنسان استثنائي لم يستطع أن يتقبل بشكل سلبي الموقف الذي وضعه فيه مرضه. إن تقاعده القسري من الحياة العامة دفعه إلى وضع نظرية منحته ليس فقط إمكانية العيش في ظل تلك الظروف، بل منحته كذلك معنى لتلك الحياة. لقد كانت عبادته للمعاناة نتيجة لمرضه.
«تريدون القضاء على المعاناة قدر الإمكان، بينما نريد نحن، كما يبدو، زيادتها وجعلها أقوى مما كانت عليه… عبادة المعاناة، المعاناة العظيمة: هل من الممكن أنكم لا تعلمون أن هذه العبادة قد قادت الرجال إلى أعلى القمم؟»[11].
يقول ألويس ريل[12]: «في هذه الكلمات نسمع صوت رجل مريض حوَّل المعاناة إلى وسيلة لتعليم الإرادة».
لكن عبادة المعاناة ليست سوى جزء من نظام نيتشه الفلسفي، كما أنها ليست الجزء الأكثر أهمية، بل هي مجرد جزء تم وضعه في المقدمة، بشكل متسرع، على يد العديد من نقاد فيلسوفنا ومفسريه.
إن المحور الاجتماعي لنظامه (إذا جاز لنا أن نسيء إلى كتابات نيتشه بمصطلح “نظام” الذي كان يعتبره مبتذلا) هو الاعتراف بالامتياز الممنوح لعدد قليل من “المختارين” بالاستمتاع بحرية بجميع متع الوجود. إن هؤلاء السعداء المختارون لا يعفون فقط من العمل المنتج، بل يعفون أيضا حتى من “عمل” الهيمنة. «مهمتكم هي أن تؤمنوا وتخدموا! (Dienstbarkeit) . هذا هو القدر الذي يقدمه زارادشت في مجتمعه المثالي للبشر العاديين، الذين عددهم أكبر من اللازم» (Den Vielvuzielen). وفوقهم تأتي طائفة (كذا) الذين يصدرون الأوامر وحماة القانون والمحاربين. وفي القمة يوجد الملك «الذي هو المثل الأعلى للمحارب والقاضي وحامي القانون». لكن كل هؤلاء ليسوا مقارنة مع “الرجال الأعلى” سوى مساعدين، يعملون في “مهام السيطرة” يعملون على نقل “إرادة المشرّعين” إلى حشود العبيد. وأخيرا، هناك الفئة الأعلى التي هي فئة “الأسياد” “خالقي القيم” و”المشرعين” و”الرجال الأعلى”. إنهم يلهمون نشاط الكيان الاجتماعي بأكمله. إنهم يقومون في الأرض بنفس الدور الذي يقوم به الله، حسب الإيمان المسيحي، في الكون.
وهكذا فإن “عمل” القيادة لا يقع على كاهل الكائنات المتفوقة، بل على كاهل الأشخاص الأكثر رقيا بين الأقل شأنا. أما فيما يتعلق بـ”المختارين”، أي “الرجال الأعلى”، الذين تحرروا من جميع الالتزامات الاجتماعية والأخلاقية، فإنهم يعيشون حياة مليئة بالمغامرة والسعادة والفرح. يقول نيتشه: «بما أنني أعيش، فإنني أريد للحياة أن تفيض، أن تكون في داخلي وخارجي بأكبر قدر ممكن من الخصوبة والترف».
يتعلق الأمر أعلاه بمسألة عبادة المعاناة – بمعنى المعاناة الجسدية – التي لا يستطيع أي إخلاص من جانب العبيد تجنيب الإنسان الأعلى منها. أما ما يتعلق بالمعاناة المرتبطة بالاضطرابات الاجتماعية فإنه يجب، بالطبع، تخليص “الإنسان الأعلى” بشكل كامل منها. وإذا كانت هناك من مهمة إلزامية لـ “الإنسان الأعلى” (وهذا فقط لـ “الإنسان الأعلى” الذي في طور التشكل – im Werden )، فهي مهمة تطوير نفسه، مما يعني القضاء بشكل تام على كل ما يذكره بـ”الشفقة”. إن “الإنسان الأعلى” «ينحط إذا سمح لنفسه بأن تهيمن عليه مشاعر الشفقة والندم والتعاطف». تعتبر الشفقة، حسب “جدول القيم” القديم، فضيلة؛ لكن نيتشه يعتبرها أكبر فتنة وأشد الأخطار فتكا. إن “أخطر خطيئة” بالنسبة لزرادشت وأفظع المصائب، هي الشفقة. فإذا شعر بأي تعاطف مع المحرومين وإذا تأثر عند رؤيته للحزن تكون نهايته قد حلت: يصير مهزوما، ويجب أن يمسح اسمه من قائمة فئة “الأسياد”. يقول زارادشت: «في كل مكان يتردد صوت أولئك الذين يحتاجون لأن يبشروا بالموت، أو [كما يضيف بكلبية صريحة] بالحياة الأبدية؛ وهو ما لا يشكل أية أهمية بالنسبة لي، طالما يختفون (dahinfahren) بأسرع وقت ممكن».
وقبل أن يصل نيتشه إلى وضع نموذجه الإيجابي، كان عليه أن يُخضع المعايير الاجتماعية المهيمنة في مجالات الدولة والقانون، وخاصة الأخلاق، للنقد. لقد اعتبر أنه من المفيد “إعادة تقييم جميع القيم”. وهو ما يبدو من حيث الشكل تجذرا كبيرا وفكرة ثورية جريئة. يقول ريل: «لم يقم أحد قبله بتحليل القيم الأخلاقية؛ ولم ينتقد أحد المبادئ الأخلاقية». إن رأي ريل ليس معزولا، لكن هذا لا يمنعه من أن يكون سطحيا تماما. لقد شعرت الإنسانية أكثر من مرة بالحاجة إلى مراجعة جوهرية لأخلاقياتها، وقد أنجز العديد من المفكرين هذا العمل بطريقة أكثر راديكالية وعمقا من نيتشه. فإذا كان هناك من شيء أصلي في نظامه، فهو ليس إعادة تقييم القيم في حد ذاته، بل وجهة النظر التي تشكل أساسه، أي الرغبة في السلطة، والتي هي أساس تطلعات ومطالب ورغبات “الإنسان الأعلى”. هذا هو معيار تقييم الماضي والحاضر والمستقبل. لكن حتى هذه الفكرة مشكوك في أصالتها. وقد كتب نيتشه نفسه أنه في بحثه عن الأخلاق التي كانت سائدة في الماضي والأخلاق السائدة اليوم وجد اتجاهين أساسيين: أخلاق السيد وأخلاق العبد. وتشكل أخلاق السيد الأساس لسلوك “الإنسان الأعلى”. إن هذه الطبيعة المزدوجة للأخلاق تعبر تاريخ البشرية كخيط أحمر، وليس نيتشه هو من اكتشفها.
يقول زارادشت مخاطبا أولئك الذين يوجدون بأعداد أكثر من اللازم: “عليكم أن تؤمنوا وتخدموا” الفئة العليا هي فئة “الأسياد” و”خالقي القيم”، ولهؤلاء السادة وحدهم تم ايجاد أخلاق الإنسان الأعلى. هل في هذا شيء من الجدة؟ كلا! فحتى الإقطاعيون خلال مرحلة القنانة، الذين كانت لديهم معرفة قليلة عن هذا الموضوع، كانوا يعلمون أن هناك أشخاصا لديهم دماء زرقاء وآخرون ليسوا كذلك[13] وأن ما هو ضروري للبعض هو أمر مستهجن بالنسبة للآخرين. وهكذا فإنهم كانوا يعرفون، وفقا لكلام الكاتب الساخر اللامع، أنه «لم يكن من المناسب أن يشغل شخص نبيل نفسه بالتجارة، وأن تكون له مهنة، وأن يمسح أنفه دون الاستعانة بمنديل، لكنه لم يكن من المستهجن بالنسبة له أن يقامر بقرية بأكملها في لعبة الورق أو يقايض بالطفلة أريشكا مقابل كلب صيد؛ وأنه من غير المناسب للفلاح أن يحلق لحيته أو يشرب الشاي أو يرتدي الأحذية، لكنه لم يكن من المستهجن استبدال مائة فيرست من الأرض مقابل رسالة بعثتها ماتريونا إيفانوفنا إلى أفدوتيا فاسيليفنا والتي تتمنى فيها ماتريونا إيفانوفنا لصديقتها عطلة سعيدة وتخبرها أنها ولله الحمد تشعر أنها بخير»[14].
يعترف أحد أقل نقاد نيتشه حدة بأنه «إذا جردنا أفكاره من شكلها المتناقض والشاعري الذي تظهر عليه في كتاباته، فإنها ستصير في الغالب أقل جدة بكثير مما تبدو عليه لأول وهلة». (Lichtenberg, Die Philosophie F. Nietzsche).
إن فلسفة نيتشه ليست بالجدة التي تبدو عليها، ولا يمكن اعتبارها أصلية إلا لأنه من أجل شرحها يكون من الضروري علينا أن نشير بشكل حصري إلى الفردانية المعقدة لمؤلفها. لكن كيف يمكن للمرء في هذه الحالة أن يشرح السبب وراء تمكنها من الحصول على الكثير من الأتباع في فترة زمنية قصيرة؛ كيف يمكن للمرء أن يشرح لماذا أصبحت أفكار نيتشه “من أركان الإيمان بالنسبة للكثيرين”؟ على حد تعبير أ. ريل. لا يمكننا أن نقوم بذلك إلا بالقول إن التربة التي نمت فيها فلسفة نيتشه ليست استثنائية بأي حال من الأحوال. إذ توجد مجموعات كبيرة من الأشخاص الذين تضعهم الظروف الاجتماعية في موقف يتوافق مع فلسفة نيتشه.
في أدبنا غالبا ما تتم المقارنة بين غوركي ونيتشه. وللوهلة الأولى قد تبدو مثل هذه المقارنة غريبة، إذ ما الذي يمكن أن يشترك فيه شاعر المهانين والمظلومين، الرعاع، مع حواري “الإنسان الأعلى”؟ من الأكيد أن الفرق بينهما كبير، لكن العلاقة بين الاثنين أقرب بكثير مما يعتقده المرء في البداية.
إن أبطال غوركي[15] حسب نواياهم، وإلى حد ما حسب الطريقة التي يقدمهم بها، ليسوا على الإطلاق مهانين ومظلومين؛ إنهم ليسوا من الرعاع، بل إنهم، بطريقتهم الخاصة، “أناس أعلى”. الكثير منهم، بل حتى أغلبيتهم، يجدون أنفسهم في وضع ليس ناتجا على الإطلاق عن هزيمتهم في النضال الاجتماعي القاسي الذي تسبب لهم في ترك الطريق المستوي والضيق. كلا! إنه خيار اتخذوه كي لا يحصروا أنفسهم في قيود التنظيم الاجتماعي المعاصر، بقوانينه وأخلاقه، وقرروا، بدلا من ذلك، “الخروج” من المجتمع. هذا ما يقوله غوركي. ونحن نحمّله مسؤولية تأكيداته، بينما نحتفظ في هذا الموضوع بموقفنا. إن غوركي، باعتباره مفكرا لمجموعة اجتماعية معينة، لا يمكنه أن يفكر بشكل مختلف. لا يمكن للفرد الذي تربطه صلات مادية وإيديولوجية بمجموعة معينة، أن يعتبر تلك المجموعة تجمعا للمنبوذين: يجب أن يجد معنى لوجود مجموعته. يمكن للفئات الاجتماعية الأساسية أن تجد بسهولة مثل هذا المعنى من خلال الاعتماد على تحليل، مهما كان سطحيا، للمجتمع المعاصر مع نظام الإنتاج الخاص به، والذي تعتبر تلك الفئات بالنسبة له عناصر لا غنى عنها. هؤلاء هم البرجوازية والبروليتاريا و”العمال المثقفون”… ليس الأمر هو نفسه مع تلك المجموعة التي جعل غوركي من نفسه الناطق باسمها والمدافع عنها. إنها بعيشها خارج المجتمع، وإن على أرضه وعلى حسابه، تسعى إلى تبرير وجودها بتفوق وعيها على أفراد المجتمع المنظم. يبدو أن إطار هذا المجتمع ضيق للغاية بالنسبة لتلك الفئة من أعضائه الذين وهبتهم الطبيعة خصوصيات استثنائية، فصاروا “متفوقين” إلى هذا الحد أو ذاك. نتعامل هنا مع نفس ذلك النوع من الاحتجاج على معايير المجتمع المعاصر الذي عبر عنه نيتشه[16].
لقد صار نيتشه منظّـرا لجماعة تعيش على حساب المجتمع مثل طيور كاسرة، لكنها تعيش ظروفا أفضل من ظروف حثالة البروليتاريا البائسة: إنها فئة طفيلية من طراز أعلى. إن تركيبة هذه المجموعة في المجتمع المعاصر شديدة الاختلاف والميوعة بالنظر إلى التعقيد والتنوع الشديدين للعلاقات داخل النظام البرجوازي. لكن ما يربط جميع الأعضاء المتباينين للنظام الاجتماعي البرجوازي هو النهب الواسع النطاق والصريح، والذي في نفس الوقت يتم (كقاعدة عامة بالطبع) دون عقاب، للسلع الاستهلاكية دون أي (ونحن نصر على التأكيد على هذا) مشاركة منهجية في عملية الإنتاج والتوزيع. وكممثل لهذا النوع الذي وصفنه للتو، يمكننا أن نذكر بطل رواية زولا “L’Argent” . من الواضح أن جميع المغامرين في مجال المضاربات لا يتمتعون بقدرة بطل زولا الشهير. ولدينا مثال على نطاق أصغر في رواية ستراتز (السيئة) “Le Dernier Choix”، والتي تتحدث عن كونت يمارس المقامرة في البورصة.
لكن الفرق كمي وليس نوعي. وبشكل عام هناك العديد من الشخصيات من هذا النوع في الأدب المعاصر، إلى درجة أننا لا نعرف على من يجب التركيز من بينها.
لا ينبغي أن نستنتج من كل هذا أن كون المرء نيتشيًّا يعني كونه مغامرا في مجال المال أو نسرا جشعا في سوق البورصة. في الواقع لقد تمكنت البرجوازية من نشر نزعتها الفردانية خارج حدود طبقتها، وذلك بفضل الروابط العضوية داخل المجتمع. ويمكننا أن نقول نفس الشيء بالنسبة لمختلف مفكري الفئة الطفيلية، وكلهم أناس بعيدون كل البعد عن أن يكونوا نيتشيين واعين. ربما يكون معظمهم غير مدركين لوجود نيتشه، بقدر ما يركزون نشاطهم الفكري على مجال مختلف تماما؛ إلا أن كل واحد منهم بالرغم من ذلك نيتشي رغم أنفه.
ومع ذلك ليس من النافل أن نلاحظ أن بعض الأيديولوجيين البرجوازيين قد طوروا أفكارا قريبة إلى حد بعيد من أفكار نيتشه؛ ومن بينهم، على سبيل المثال، أحد المفكرين البرجوازيين المعروفين الإنجليزي هربرت سبنسر[17]. نجد عنده نفس الاحتقار تجاه الجماهير (رغم أنه أكثر اعتدالا)، ونفس المديح للصراع باعتباره أداة للتقدم، ونفس الاحتجاج على مساعدة الضعفاء، الذين من المفترض أنهم يهلكون بسبب أخطائهم. يعلن الموسوعي البرجوازي: «عوض دعم القانون الأساسي للتعاون الطوعي [!!]،الذي يتمثل في ضرورة دفع ثمن كل امتياز بالنقود التي يتم الحصول عليها من خلال العمل المنتج، فإنهم [نفهم ما الذي يختفي وراء عبارة “هم” – ل. ت-] يسعون جاهدين لجعل كمية كبيرة من البضائع في متناول الجميع، بغض النظر عن الجهود المبذولة لإنتاجها. يجب تنظيم مكتبات مجانية ومتاحف مجانية على حساب المجتمع وإتاحة الوصول إليها للجميع، بغض النظر عن أحقيتهم. وبالتالي يجب أن تؤخذ مدخرات الأكثر استحقاقًا من قبل محصلي الضرائب وتخصص لتوفير سلع معينة للناس الأقل استحقاقًا، والذين لا يدخرون شيئًا». ينبغي أن نتذكر هنا الجدال الذي جمع بين ن. ك. ميخائيلوفسكي وبين سبنسر لأن هذا الأخير لم يكن يريد تقديم علاجات للعواقب الطبيعية للفقر والرذيلة. قارنوا هذا الطلب بخطاب زارادشت: «إن الأرض مليئة بالأشخاص الذين لا غنى عن تبشيرهم بالموت». لا ينبغي مساعدتهم؛ بل يجب بدلا من ذلك دفعهم حتى يسقطوا بشكل أسرع. «Das ist gross, das gehört zur grasse…» (هذا عظيم).
لكن التشابه -الشكلي- (بين سبنسر ونيتشه) ينتهي هنا. فسبنسر لا يريد على الاطلاق إعفاء البرجوازية من “عمل” الهيمنة، والنوع الأعلى بالنسبة إليه ليس هو رجل الغرائز غير المقيدة. إن البرجوازية باعتبارها طبقة، والنظام الرأسمالي باعتباره نظاما محددا لعلاقات الإنتاج، ظاهرتان لا يمكن تخيل إحداهما دون الأخرى، ولا يستطيع سبنسر، بصفته الممثل الإيديولوجي للبرجوازية، الطعن في المعايير البرجوازية. فإذا احتج على مساعدة الضعفاء، فذلك على وجه التحديد لأنه يخشى إطلاق عنان هؤلاء الضعفاء ضد النظام الاجتماعي، العزيز على قلبه، وفي الوقت نفسه ضد منصبه المريح المحمي بشكل جيد من قبل النظام المذكور.
هذا ليس هو الحال مع نيتشه، فهو يعارض جميع معايير المجتمع من حوله. كل فضائل التافهين تثير اشمئزازه. البرجوازي العادي، بالنسبة له، كائن ضعيف، مثله مثل البروليتاري. وهذا طبيعي جدا. فالبرجوازي العادي شخص عقلاني، إنه يقضم ببطء، ويتبع النظام، ويستعمل عبارات عاطفية ومواعظ أخلاقية وخطب عاطفية بشأن المهمة المقدسة للعمل. إن “الإنسان الأعلى” البرجوازي لا يتصرف على هذا النحو: إنه يستولي ويأخذ وينهب وينهش كل شيء. ويضيف: “بدون تعليق”[18].
لا يمكن للبرجوازية “السليمة” أن تقابل موقف نيتشه السلبي إلا بموقف سلبي مشابه. ونحن نعرف، على سبيل المثال، ما الذي يعنيه نيتشه لأحد أفضل ممثلي البرجوازية، وهو ماكس نورداو[19]، الذي هو رجل يتميز بالبهرجة أكثر من العمق، والحقود لدرجة تثير الغثيان والذي لا يقتصد في استخدام التعابير الفخمة. كتب قائلا:
«كانت هناك حاجة إلى منظر للانحطاط المنهجي وكره الإنسانية التي تعزّزها المواهب الأدبية والفنية للبارناسيين[20] والإستيثيكيين[21]، من أجل توليف الجريمة والشر والمرض اللذان أعلي شأنهما من قبل النزعة الشيطانية والانحطاط لخلق إنسان حر وكامل على شاكلة إبسن[22]. وقد كان نيتشه هو أول من أعلن هذه النظرية، أو ما يزعم أنها نظرية» (Entartung) [الانحطاط]. لا يعامل نورداو تلاميذ نيتشه بشكل أفضل. حيث قال: «إن إعلان المبادئ الذي ينص على أنه لا يوجد شيء صحيح وكل شيء مسموح به، الصادر عن مفكر غير متوازن من الناحية الأخلاقية، قد وجد صدى هائلا بين أولئك الذين، بسبب ضعفهم الأخلاقي، يقومون ببث كراهية مسعورة ضد النظام الاجتماعي. وأمام هذا الاكتشاف العظيم تجد البروليتاريا الفكرية في المدن الكبرى نفسها مبتهجة».
لا يمكن لهؤلاء الذين يبنون رخاءهم على سقوط وزارة أو وفاة رجل دولة أو ابتزاز صحفي أو فضيحة سياسية أو على صعود أو نزول أسعار الأسهم، أن يجدوا أي تشجيع من قبل البرجوازية الصغيرة الفاضلة ومفكريها. ونجد في الرواية المقتبسة من قِبل رودولف ستراتز، نفس موقف نورداو تجاه نيتشه يتبناه أبطال الرواية الفاضلون (ومن خلالهم مؤلف الرواية، الذي هو أيضا إنسان حقير) تجاه الكونت الكلبي (Cynical) الذي يتبنى بدوره، على ما يبدو، فكرة أنه “لا يوجد شيء صحيح وأن كل شيء مسموح به”، يعتبر أن قدر أكباش برلين هو أن يتم جز صوفها بطريقة نبيلة. وعليه فإن موقف سكان برلين الفاضلين تجاه الكونت غير الفاضل أمر مفهوم تماما.
لقد طور المجتمع البورجوازي بعض القواعد الأخلاقية والقانونية التي يمنع منعا باتا انتهاكها. وبما أن البرجوازية تحب استغلال الآخرين، فإنها لا تحب أن يتم استغلالها. لكن Uebermensch (الرجل الأعلى -بالألمانية في الأصل-) من جميع الأنواع يراكمون الدهون بفضل اقتياتهم على أرصدة البرجوازية من فائض القيمة، أي أنهم يعيشون مباشرة على حساب البرجوازية. وغني عن القول إنه لا يمكنهم أن يضعوا أنفسهم تحت حماية قوانينها الأخلاقية. وبالتالي فإنه يجب عليهم أن يصنعوا مبادئ أخلاقية تتوافق مع طريقة عيشهم. وحتى وقت قريب لم يكن لهذه الفئة العليا من الطفيليات أيديولوجية عامة تعطيها إمكانية تبرير الدوافع “السامية” وراء ممارساتها الجشعة. إن مبرر جشع البرجوازية الصناعية هو “مزاياها التاريخية وقدرتها التنظيمية، والتي يبدو أنه بدونها يصير الإنتاج الاجتماعي مستحيلا”. من الواضح أن هذا التبرير غير مناسب لفرسان أسواق الأسهم، وللمغامرين في مجال التمويل، ولسادة البورصة، ولممارسي الابتزاز عديمي الضمير في السياسة والصحافة، أي بكلمة واحدة: لكل ذلك الحشد من الطفيليين الذين ربطوا أنفسهم بقوة مع النظام البرجوازي والذين، بطريقة أو بأخرى، يعيشون بشكل جيد، وبشكل عام لا يعيشون بشكل سيء، على حساب المجتمع دون إعطائه أي شيء في المقابل. لقد أقنع الممثلون الفرديون لهذه المجموعات أنفسهم بوعي تفوقهم الفكري على أولئك الذين سمحوا بأن يتعرضوا “لجز صوفهم” (كيف يمكنهم أن يفعلوا غير ذلك؟). لكن هذه المجموعة، كبيرة الحجم والمتنامية باستمرار، تحتاج إلى نظرية تعطيها الحق في “التبجح”، بالنظر إلى تفوقها الفكري. لقد بحثت عن منظّـر لها ووجدته في شخص نيتشه. جاء نيتشه، بصدقه الكلبي وموهبته العظيمة، فظهر أمامها، معلنا “أخلاق السيد” وأن “كل شيء مسموح به”، فقامت بتبجيله إلى أقصى الحدود…
يقول نيتشه إن حياة الكائن النبيل هي سلسلة متواصلة من المغامرات المليئة بالمخاطر. السعادة لا تهمه، ما يهمه هو الإثارة التي يتم الحصول عليها عن طريق المخاطرة.
إن حثالة المجتمع البرجوازي البائسين هؤلاء، الذي يعيشون في وضع اجتماعي غير مستقر، حيث يكونون اليوم في قمة الازدهار، بينما في اليوم التالي هم مهددون بأن يجدوا أنفسهم في السجن، يجدون في أفكار نيتشه عن حياة مليئة بالمغامرات شيئا أكثر جمالا من حياة الحقيرين من أمثال سمايلز[23]. الذي يبشر بنزعة اعتدال برجوازية صغيرة مبتذلة تجعل كل الوجود مسطحا (سمايلز هو عراب البرجوازية الصغيرة التي بدأت تتطور). كما يرفض هؤلاء الحثالة أيضا أطروحات الأخلاق النفعية المبنية على مبادئ عقلانية صارمة التي يبشر بها بينثام[24]. الزعيم الروحي للبرجوازية البريطانية الكبيرة، المتبصرة والنزيهة (بالمعنى التجاري للمصطلح، بالطبع).
وفقا لنيتشه، ستتمكن الإنسانية من رفع نفسها إلى مستوى “الإنسان الأعلى” عندما ترفض التسلسل الهرمي الحالي للقيم، وترفض، قبل كل شيء، المثل المسيحية والديمقراطية. يحترم المجتمع البرجوازي المبادئ الديمقراطية، بالكلمات على الأقل. بينما يقوم نيتشه من جانبه، كما رأينا، بفصل الأخلاق إلى أخلاقيات السادة وأخلاقيات العبيد. ويشعر بالغثيان من كلمة “الديمقراطية”. إنه يمقت الديمقراطية المفتونة بالمساواة التي تسعى جاهدة إلى تحويل الإنسان إلى حيوان قطيع حقير.
سوف تسير الأمور بشكل سيء بالنسبة لـ “الإنسان الأعلى” إذا ما تبنى العبيد أخلاقه، إذا وجد المجتمع أنه لا جدوى من تكريس نفسه للعمل البطيء المنتج. لهذا السبب يكتب نيتشه، بتلك الكلبية الصريحة التي تميزه، في إحدى رسائله أن تعميم مذهبه “يمثل مخاطرة كبيرة (Wagnis)، ليس بسبب هؤلاء الذين يتجرأون على التصرف وفقًا لتلك العقيدة، بل بسبب أولئك الذين يتحدث عنهم […]”. ويضيف قائلا: “إن عزاءي هو أنه لا توجد آذان لسماع كلماتي العظيمة”. ومن هذا الخطر ينبع الطابع المزدوج للأخلاق. فبالنسبة للبشرية ككل ليس فقط من غير الضروري لها أن تتبع “أخلاقيات السيد”، التي خلقت للسادة وللسادة فقط، بل وعلى العكس من ذلك يجب على الناس العاديين، الذين ليسوا “أناس أعلى”، أن “ينجزوا الأشغال العامة في صفوف مرصوصة”، ويطيعوا أولئك الذين وُلدوا ليعيشوا حياة أرقى. المطلوب منهم هو أن يجدوا سعادتهم في قيامهم بإخلاص بالالتزامات المفروضة عليهم من طرف مجتمع يوجد في قمته عدد صغير من “الناس الأعلى”. وكما ترون فإن الرغبة في جعل الفئات الدنيا تشعر بالرضا الأخلاقي في خدمة الفئة العليا، ليست شيئا جديدا.
وعلى الرغم من أنه كثيرا ما يتمكن أعضاء هذه البروليتاريا البرجوازية الرائعة من حمل مفاتيح القيادة بين أيديهم، فإنهم عموما لا يتمكنون من أخذ السلطة الحكومية في المجتمع البرجوازي. إنها تسقط في أيديهم نتيجة لنوع من سوء فهم اجتماعي، وتنتهي حكومتهم بفضائح مثل فضيحة بنما[25] ودريفوس[26]، وقضية كريسبي[27].إنهم لا يأخذون السلطة بهدف إعادة تنظيم المجتمع، الذي ينظرون إليه بطريقة سلبية، بل فقط من أجل الاستمتاع بالثروة العامة. وفيما يتعلق بهذه النقطة أيضا، يجد نيتشه صدى إيجابيًا له بينهم، وذلك لأنه يحرر “أناسه الأعلى” من عبئ عمل القيادة. وعليه فإن حثالة البروليتاريا، تلك البروليتاريا الطفيلية ذات الرتبة الدنيا، تعتبر بموقفها السلبي أكثر انسجاما من أتباع نيتشه، لأنها ترفض المجتمع بأكمله. إنها لا ترفض فقط الإطار الروحي لذلك المجتمع، بل وترفض كذلك تنظيمه المادي. أما النيتشيين من جانبهم، فإنهم في الوقت الذي يرفضون فيه القواعد القانونية والأخلاقية للمجتمع البرجوازي، فإنهم لا يرفضون السلع التي تم خلقها من خلال تنظيمه المادي. إنسان نيتشه “الأعلى” غير مستعد مطلقًا للتخلي عن التعلم والمزايا والقوى الجديدة التي اكتسبتها البشرية عبر طريق طويل وصعب؛ بل على العكس من ذلك فإن كل تصور النيتشيين للعالم (إذا أمكننا استخدام هذا المصطلح هنا)، وفلسفتهم بأكملها يعملان على تبرير التمتع بالطيبات التي لم يلعبوا أي دور، ولو شكلي، في إنتاجها.
يريد نيتشه من كل واحد، قبل أن يصنف بين المختارين، أن يجيب عن السؤال التالي: “هل أنت واحد ممن يحق لهم التخلص من النير؟” لكنه لم يقدم، ولا يمكنه أن يقدم، معيارا موضوعيا للإجابة على هذا السؤال. ومن تم فإن الاجابة بنعم أو لا رهينة بحسن النية ومواهب النهب لكل منهم.
يتضمن نظام نيتشه الفلسفي، كما سبق له أن أشار أكثر من مرة، على عدد كبير من التناقضات. وها هي بعض الأمثلة: يرفض نيتشه الأخلاق المعاصرة، لكن بشكل أساسي تلك الجوانب (كالشفقة والصدقة، إلخ) التي تنظم (بشكل صوري فقط) المواقف تجاه “الذين عددهم أكثر من اللازم”. لكن “الناس الأعلى” من ناحية أخرى، ليسوا، بأي حال من الأحوال، متحررين، في علاقاتهم المتبادلة، من الالتزامات الأخلاقية. وعندما يتحدث نيتشه عن هذه العلاقات، فإنه لا يخشى من استخدام كلمات مثل: الخير والشر، بل وحتى الاحترام والامتنان.
على الرغم من أنه قد أعاد تقييم كل القيم، فإن هذا الثوري في مجال الأخلاق استمر يراعي تقاليد الطبقات المتميزة باحترام كبير وافتخر بكونه ينحدر من كونت يدعى نيتزكي، وهو النسب المشكوك فيه إلى حد كبير. كما أن هذا الفرداني الشهير يبدي تعاطفا كبيرا مع النظام الفرنسي القديم (Ancien Régime) الذي لم يكن للفردية فيه مكان يذكر. إن الأرستقراطي، الذي يمثل تعاطفا اجتماعيا محددا للغاية، دائما ما يتغلب عنده على الفرداني، على المبشر بمبدئ مجرد.
وبالنظر إلى كل هذه التناقضات فإن ليس من المستغرب أن تضع عناصر اجتماعية متعارضة تمامًا نفسها تحت راية نيتشه. يمكن لأي مغامر غير مدرك لنسبه أن يتجاهل تماما احترام نيتشه للتقاليد الأرستقراطية، حيث يأخذ من نيتشه فقط ما يتوافق مع وضعه الاجتماعي. فشعار “لا شيء صحيح، كل شيء مسموح به” يتوافق مع طريقته في الحياة أكثر من أي شيء آخر. ومن خلال التنقيب في أعمال نيتشه لاستخراج كل ما يمكن أن يخدم تطوير الأفكار الواردة في هذا المقولة، يمكن للمرء أن يبني نظرية جيدة يمكنها أن تكون بمثابة ورقة تين لأبطال فضيحة بنما الفرنسية أو ملحمة مامونتوف الوطنية[28][29]. لكن وإلى جانب هذه المجموعة، التي هي نتاج المجتمع البرجوازي، نجد من بين المعجبين بنيتشه ممثلين لتشكيلة تاريخية مختلفة تماما، أناس يعود أصلهم إلى الماضي السحيق. ونحن لا نتحدث هنا عن أولئك الذين، مثلهم مثل ذلك الكونت في رواية ستراتز، بادلوا امتيازاتهم الفخمة بسندات الأسهم. فهؤلاء الناس لم يعودوا ينتمون إلى نظامهم، فباعتبارهم منحلين طبقيا (Déclassé)، لم يعودوا يولون سوى القليل من الاهتمام لتقاليد النبالة، مثلهم في ذلك مثل أي عامي. نحن نتحدث عن أولئك الذين يتمسكون بالتقاليد التي وضعتهم ذات مرة على قمة السلم الاجتماعي. لكن وبسبب إقصائهم من المركز، فإن لديهم أسبابهم الخاصة للاستياء من النظام الاجتماعي المعاصر واتجاهاته الديمقراطية وقوانينه وأخلاقه.
خذوا على سبيل المثال الشاعر الإيطالي الشهير، الأرستقراطي بالولادة والفكر، غابرييل دانونزيو[30]. لا ندري ما إذا كان يعتبر نفسه نيتشويا ولا إلى أي مدى أثرت أفكار نيتشه في تكوين أفكاره. لكن هذا ليس له أهمية بالنسبة لنا. إن ما يهم هنا هو أن أفكار دانونزيو الأرستقراطية المتطرفة متطابقة بشكل كامل تقريبا مع أفكار نيتشه. وكما هو متوقع من أرستقراطي فإن دانونزيو يكره الديمقراطية البرجوازية. قال: “في روما رأيت أكثر الإهانات فظاعة ضد الأشياء المقدسة. ومثل بالوعة تنضح، تدفق نهر من الرغبات المنحطة يغمر الساحات والشوارع… والملك، الذي هو سليل المحاربين، يقدم مثلا مذهلا للصبر في سعيه لتنفيذ الالتزامات المبتذلة والمملة المفروضة بمرسوم أصدره العوام”.
ويقول في مخاطبته للشعراء:
“ما الذي سيكون شغلنا الآن؟ هل يجب علينا الآن مدح حق الاقتراع العام؛ هل يجب علينا، أن نعمل بقصائدنا الموزونة على التسريع بسقوط الملكية، ومجيء الجمهورية، واستيلاء الشعب على السلطة؟ ومقابل مبلغ معقول يمكننا إقناع أي مشكك بأنه يمكن العثور على الحق والحكمة والتنوير عند الجماهير”.
لكن هذه ليست مهمة الشعراء:
“اطبعوا الجباه الحمقاء لأولئك الذين أرادوا جعل كل رؤوس البشر متماثلة، كالمسامير تحت مطرقة العامل. اسمحوا لصوت قهقهاتكم أن يصعد إلى السماء عندما تسمعون في الاجتماعات صراخ الحيوان الضخم الذي هو الشعب”.
وأثناء مخاطبته لحطام الماضي الأرستقراطي، يصرخ:
“انتظري واستعدي للحدث. لن يكون من الصعب عليك إعادة القطيع إلى حضيرة الطاعة. سيبقى رجال الشعب عبيداً إلى الأبد، لأنه توجد عندهم حاجة فطرية للسلاسل. تذكري أن روح الحشود لا تعرف سوى الذعر”.
وباتفاق كامل مع نيتشه، يعتبر دانونزيو إعادة تقييم جميع القيم مسألة لا غنى عنها، وأمرا يجب أن يحدث:
“سيأتي القيصر الروماني الجديد، المؤهل بطبيعته للهيمنة، ويمحو أو ينقض كل القيم المعترف بها منذ مدة طويلة من جميع أنواع المذاهب. سيكون قادرا على أن يبني ويدفع نحو المستقبل بذلك الجسر المثالي الذي بفضله ستتمكن الأنواع المتميزة من أن تعبر أخيرا الهاوية التي ما تزال تفصلها عن الهيمنة المنتظرة بشوق”.
سيكون القيصر الروماني الجديد أرستقراطيا “وسيما وقويا وقاسيا وعاطفيا” (الاقتباسات من دانونزيو مأخوذة من مقالة أوكراينا في صحيفة جيزن، العدد 07، 1900).
لا يمكن تمييز هذا الكائن الغاشم عن إنسان نيتشه “الأعلى”. “الارستقراطي القاسي والجشع”، وفقا لتعبير نيتشه، يعطي للإنسان ولكل شيء قيمته: فما هو مفيد أو ضار بالنسبة له هو الخير أو الشر في ذاته.
لقد حان الوقت لنختتم كل هذا لأن دراستنا استغرقت وقتا أطول من المتوقع. من الواضح أننا لا ندعي تقديم نقد شامل للإبداعات الرائعة لفريدريك نيتشه، الذي كان فيلسوفا في الشعر وشاعرا في الفلسفة. هذا مستحيل في إطار بضع مقالات. لقد أردنا فقط أن نصف بشكل عام القاعدة الاجتماعية التي أدت إلى ميلاد النيتشويه، ليس كنظام فلسفي متضمن في عدد من المجلدات، والذي يمكن تفسيره في معظمه من خلال الخصائص الفردية لصاحبه، بل كتيار اجتماعي يستقطب اهتماما خاصا، لأننا نتعامل مع تيار في الوقت الحاضر. بدا لنا أنه من الضروري إنزال النيتشوية من الأبراج الأدبية والفلسفية العالية إلى الأساس الأرضي البحت للعلاقات الاجتماعية لأن الموقف الأيديولوجي البحت، المشروط بردود فعل ذاتية كالتعاطف أو الكراهية تجاه الأخلاق، أو غيرها من أطروحات نيتشه الأخرى، لا تسفر عن أي نتائج مفيدة. لقد قدم لنا السيد أندرييفتش[31] مثالًا حديثًا من خلال المبالغة في الهستيريا على أعمدة صحيفة جيزن.
لن يكون من الصعب، بدون شك، أن نجد في أعمال نيتشه الضخمة بضع صفحات قد تساعد، إذا أخرجت من سياقها، على تأكيد أي أطروحة مسبقة، ولا سيما في سياق تفسير عام، نقول بين قوسين، إنه سيكون مفيدا للغاية لأعمال نيتشه، والتي هي غامضة أكثر مما هي عميقة. هذا ما فعله الأناركيون في أوروبا الغربية، الذين سارعوا إلى اعتبار نيتشه واحدًا منهم، لكنهم تلقوا صدا قاسيا: فلقد رفضهم فيلسوف أخلاق السادة بكل ما يستطيع من وقاحة. من الواضح للقارئ، كما نأمل، أننا نعتبره عقيما ذلك الموقف الحرفي والنصي تجاه كتابات المفكر الألماني المتوفى مؤخرا الغنية بالمفارقات والتي غالبا ما تتكون من حكم متناقضة، وتسمح عموما بعشرات التفسيرات. إن الطريقة الوحيدة لتقديم تفسير صحيح لفلسفة نيتشه هي تحليل القاعدة الاجتماعية التي أدت إلى ميلاد هذا المنتج المعقد. وهذا التحليل هو ما سعى هذا المقال للقيام به. لقد اتضح أن تلك القاعدة فاسدة وخبيثة ومسمومة، ومن هنا ينبع هذا الاستنتاج: دعهم يعملون بقدر ما يرغبون على دعوتنا إلى أن نغوص بكل ثقة في النيتشوية، ونتنفس بعمق في أعماله الهواء النقي للنزعة الفردانية. لن نستجيب نحن لتلك النداءات، وفي المقابل سوف نرد، بدون خوف من الاتهامات المبتذلة بضيق الأفق والنزعة الإقصائية، كما رد ناثانيل في الإنجيل: “وهل يمكن لأي شيء جيد أن يخرج من الناصرة؟”.
ليون تروتسكي
ترجمة: أنس رحيمي
هوامش:
[1] : نستعمل في هذا المقال تعبير: “الإنسان الأعلى” لتعريب الكلمة الإنجليزية: “Superman” التي هي بدورها ترجمة للكلمة الألمانية “Übermensch”، نستعمل تعبير “الإنسان الأعلى” بعد أن لاحظنا أن بعض المترجمين يميلون إلى استعمال “السوبرمان” أو “الإنسان الخارق”.
[2] ج. أ. دجانشييف (1900- 1851)، مؤرخ وناشر لبرالي، مؤلف كتاب عن تاريخ الإصلاحات خلال عهد ألكسندر الثاني، عهد الإصلاحات العظمى (Iz Epokha velikikh Reform). كان يتمتع بنفوذ كبير بين صفوف اللبراليين. –الإشارة من الناشر الروسي-
[3] فلاديمير سيرغييفيتش سولوفيوف (1900- 1858). فيلسوف وشاعر شهير، كانت مفاهيمه الصوفية والدينية مختلطة بأفكار لبرالية فيما يخص القضايا الاجتماعية والسياسية. حققت فلسفة سولوفيوف نجاحا كبيرا بين صفوف الأنتلجنسيا الروسية التي اتجهت نحو النزعة الصوفية. –الإشارة من الناشر الروسي-
[4] قيادي عمالي ومؤسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. بدأ ليبكنخت نشاطه السياسي بالمشاركة في الحركة الثورية سنة 1848. وخلال سنوات المنفى أقام علاقات مع ماركس وإنجلز في لندن وصار من أنصارهما. عاد إلى ألمانيا سنة 1862 وصار منذ ذلك الحين وحتى وفاته الممثل البارز للتيار الماركسي داخل صفوف الحركة العمالية، حتى قبل تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وفي سنة 1868 أصدر جريدة Demokratische Volksblatt في ليبزغ والتي صارت في 1869 تسمى Volksblatt. أغلقت الجريدة سنة 1878. وفي 1890 ترأس ليبكنخت هيئة تحرير الجريدة الرسمية للحزب، التي حملت نفس الاسم في برلين. وسنة 1874 انتخب إلى الرايخشتاغ، إلى حين وفاته. ارتبط ليبكنخت بالجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي وكان أحد المعارضين البارزين للتيارات التحريفية داخل الحزب. -الإشارة من الناشر الروسي-
[5] نيكولاس. ك. ميخايلوفسكي (1842-1904)، صحفي وعالم اجتماع وناقد، أحد أبرز منظري الحركة الارهابية الشعبوية. مارس تأثيرًا كبيرًا على جيل شباب ثمانينيات القرن التاسع عشر. كان صحفيا في جريدة Otietchestvennye Zapiski (حوليات الوطن). وقد نشر كتاب Chto takoïe Progress (ما هو التقدم؟)، وGueroi i Tolpa (الأبطال والجمهور)، وTeoria Darvin obchtchestvennaia Nauka i (نظرية داروين وعلم الاجتماع). صار، منذ عام 1892، المساهم الرئيسي في جريدة Russkoye Bogatstvo (الثروة الروسية). وكان عضوا في منظمة “نارودنايا فوليا”، وقاد في سنوات التسعينيات صراعا أيديولوجيا ضد الماركسية. -الإشارة من الناشر الروسي-
[6] موسكوفسكي فيدوموستي (أخبار موسكو): صحيفة رجعية، تأسست عام 1756. ترأس تحريرها كاتكوف في الفترة من 1855 إلى 1860 ومن 1863 إلى 1887،. كانت تختلف عن بقية الصحف الرجعية بكونها أكثر انسجاما وشراسة. كانت شعاراتها: الأرثوذكسية، الحكم الفردي، القومية. في عام 1905 صارت، تحت إشراف غرينغموت، لسان حال الحزب الملكي وقادت حملة منهجية ضد العمال الثوريين والمثقفين واليهود، وكانت تدعوا علنا إلى المذابح. -الإشارة من الناشر الروسي-
[7] نوفوي فريميا (الأزمنة الجديدة) جريدة يومية بيترسبورغية، نشرها سوفارين عام 1876 وترأس تحريرها. كان للصحيفة موقف محافظ. وقد قادت حملة شرسة متواصلة ضد الأفكار الديمقراطية الثورية والطبقة العاملة والمثقفين الراديكاليين. كان اضطهاد “الأجانب”، وخاصة اليهود، يمثل الخيط الناظم لجميع المقالات الرئيسية في الصحيفة. لم تميز نوفوي فريميا نفسها بخط سياسي منسجم، بل كانت تتكيف مع التحولات والتغييرات الوزارية. وخلال ثورة 1905، لعبت دورا يمينيا متطرفا، حيث طالبت باتخاذ إجراءات حازمة ضد الثوار والعمال المضربين. -الإشارة من الناشر الروسي-
[8]فوروارتس (إلى الأمام): لسان حال الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، كانت تصدر في برلين. تأسست الصحيفة في عام 1883 باسم Berliner Volksblatt. وظهرت لأول مرة باسمها الجديد في أكتوبر عام 1890، تحت إشراف ويلهلم ليبكنخت، وذلك بعد إلغاء القانون المناهض للاشتراكية. كانت الجريدة التي سبقتها قد صدرت لأول مرة على يد ليبكنخت بالاسم نفسه في لايبزيغ وأُغلقت في عام 1878 عندما دخل القانون المناهض للاشتراكية حيز التنفيذ. منذ بداية حرب عام 1914، دعمت فوروارتس، باعتبارها جريدة تيار الأغلبية داخل الحزب، المجهود الحربي الألماني. وبقيت في أيدي تيار الأغلبية طوال الحرب. بعد ثورة أكتوبر شنت الصحيفة حملة شرسة ضد الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي.
[9] روسكوي بوغاتستوف (الثروة الروسية): واحدة من أكثر الصحف الشهرية نفوذا قبل الثورة. بدأ نشرها بهذا العنوان في عام 1880. وعام 1891 انتقل إلى أيدي الصحفيين السابقين في Otiétchestvennye Zapiski (حوليات الوطن). في عام 1895 أصبح ميخايلوفسكي منظر الجريدة، ومنذ ذلك الحين صارت روسكوي بوغاتستوف جريدة للحركة الشعبوية . وابتداء من عام 1916 صارت تصدر تحت اسم Russky Zapiski (الحوليات الروسية). وتوقفت عن الصدور بعد ثورة أكتوبر. -الإشارة من الناشر الروسي-
[10] كيلاندر (1849-1888): كاتب نرويجي، ممثل الحركة الواقعية في الأدب النرويجي. -الإشارة من الناشر الروسي-
[11] لن نسرد الإحالات هنا لأن أعمال نيتشه منشورة في ثمانية مجلدات، دون حساب الأجزاء الإضافية، الشيء الذي يعد عبئا ثقيلا للغاية بالنسبة لبضع مقالات صحفية. -إشارة أصلية من تروتسكي-
[12] ألويس ريل (1844-1924)، فيلسوف ألماني من المدرسة الكانتية الجديدة، مؤلف كتاب: Der Kritizismus Philosophy (نظرية العلوم والميتافيزيقيا من منظور النقد الفلسفي). -الإشارة من الناشر الروسي-
[13] حرفيا: الأشخاص ذوي العظام السوداء والأشخاص ذوي العظام البيضاء.
[14] “هجاء بالنثر” من تأليف م. أ. سالتيكوف شيدرين، سان بيترسبورغ، 1887، المجلد السابع، ص. 318. -الإشارة من الناشر الروسي-
[15] راجع مقالة تروتسكي “O romane voobchtché i o romane Troïé v tchastnosti” [حول الرواية بشكل عام وحول رواية غوركي “الشجرة” بشكل خاص].
[16] نلاحظ عابرين وجود سمة مشتركة بين الكاتبين المذكورين: احترام “الرجال الأقوياء”. فغوركي يغفر للرجل أي فعل مهما كان سلبيا (طالما كان من وجهة نظر غوركي) نتيجة قوة تسعى إلى التعبير عن نفسها. ويتم وصف هذه الأفعال بشكل جيد وبكثير من الحب لدرجة أنه حتى القارئ الذي لا يوافق عليها يصبح متحمسا لـ”قوتهم” ويعجب بهم. هذا هو الحال مع العجوز غوردييف وبعض أبطال غوركي الآخرين. -إشارة من تروتسكي-
[17] هربرت سبنسر (1820-1903)، فيلسوف إنجليزي تأثر كثيرا بداروين. وصفه المؤرخ ريتشارد هوفستادتر بأنه “دارويني اجتماعي”. طور سبنسر نظامًا شاملاً على أساس ما اعتبره مبدأ التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي. افترض أن الانتقاء الطبيعي في المجال البيولوجي له نظيره في الانتقاء الطبيعي في المجال الاجتماعي. وعلى أساس هذا البناء الميتافيزيقي دافع عن مواقف رجعية للغاية، واعتبر أي محاولة من جانب المجتمع للتخفيف من محنة الفقراء والطبقة العاملة بمثابة انتهاك لمبدأ الانتقاء الطبيعي. كان أول من استخدم مصطلح “البقاء للأصلح”. وقد استحوذ موقفه المبتذل عن نظرية التطور الداروينية على جمهور واسع في أواخر القرن التاسع عشر، خاصة بين الطبقة الجديدة من البارونات اللصوص في الولايات المتحدة الذين أصبح شعارهم: “الأميركي الأغنى هو الأمريكي الأصلح”. تم استخدام حجج سبنسر في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية لمعارضة النقابات وتشريع قوانين الرعاية الاجتماعية. وعلى الرغم من أن لا أحد يقرأ لسبنسر اليوم، فإنه كان خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر المفكر الأوروبي الأكثر شهرة. (تمت إعادة صياغة الإشارة الأصلية التي أعدها الناشر الروسي لتوفير تفسير أكثر راهنية لأهمية سبنسر.)
[18] سيكون من المثير للاهتمام المقارنة بين اقطاعي العصور الوسطى الذي يستغل باستمرار عمل الفلاحين وبين “الرجل الأعلى” في المجتمع الإقطاعي، ذلك “Raubritter” [البارون اللص، الذي هو شخصية من ألمانيا في العصور الوسطى كان يعتبر نفسه حرا في ممارسة النهب بغض النظر عن الحدود التي تفرضها القوانين والأعراف] الذي يعلن: “ist keine Rauben Schanda, die das tun besten im Lande” (“الاستغلال [العادي] شيء مخزٍ، الأفضل هم من ينهبون”). أليس هذا هو “الانسان الأعلى”؟ -إشارة من تروتسكي-
[19] ماكس نورداو (1849-1923)، كاتب ألماني أنتج أعمالا جذابة وإن سطحية. من أبرز أعماله المفارقة (1885)، والانحطاط (1892-1893) والكذبة التقليدية للثقافة الإنسانية (1883). وعلى الرغم من أنه ولد في عائلة من اليهود الأرثوذكس في المجر، فإنه هاجر إلى ألمانيا عندما كان شابا واعتبر نفسه مندمجا بشكل كامل في الثقافة الألمانية. لكن قضية دريفوس خلفت تأثيرا عميقا عليه، كما كان الحال مع العديد من اليهود الآخرين الذين كانوا حتى ذلك الحين يعتبرون أنفسهم أوروبيين. اعتنق الصهيونية وعمل إلى جانب ثيودور هرتزل على تأسيس الحركة الصهيونية، التي شارك فيها خلال الفترة المتبقية من حياته. (إشارة من الناشر الروسي، أضاف إليها المترجم الانجليزي مزيدا من المعطيات التاريخية).
[20] [حركة البرناسيين (Parnassian) حركة شعرية ظهرت في فرنسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أخذت اسمها من المجموعة الشعرية Le Parnasse المعاصرة التي نشرت بين عامي 1866 و 1876 من قبل الناشر ألفونس لومير. ظهرت الحركة كرد فعل على غنائية العاطفية الذاتية والرومانسية. مبادئها تثمين الفن الشعري من خلال ضبط النفس ورفض الالتزام الاجتماعي أو السياسي. شعارها “الفن للفن”. (المعرب)]
[21] [حركة Aesthete أو الحركة الجمالية حركة فكرية وفنية برزت في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، تؤكد على القيم الجمالية أكثر من الموضوعات الاجتماعية والسياسية، أي أن الفن عند هذه الحركة يركز أكثر على كونه جميلًا بدلاً من أن يكون له معنى أعمق. (المعرب)]
[22] [Ibsen هنريك جوهان إبسن، 1928- 1906، مسرحي نرويجي من مؤسسي نزعة الحداثة في المسرح خلال القرن التاسع عشر، كما يعتبر الأب الروحي للنزعة الواقعية (المعرب)].
[23] صمويل سمايلز (1812-1904): كاتب ومفكر أخلاقي إنجليزي. تعطينا عناوين أعماله: المساعدة الذاتية، الشخصية، التوفير، الواجب، تصورا عن فلسفته الأخلاقية القاسية القائمة على تحسين التطوير الذاتي الفرداني، وهو ما يوضحه بالعديد من الأمثلة الملهمة من حياة “المخترعين والصناعيين”. -إشارة من الناشر الروسي-
[24] جيريمي بينثام (1746-1832): فقيه قانوني وفيلسوف إنجليزي ومؤسس المدرسة النفعية، القائمة على مبدأ أن الأخلاق هي أعظم خير لأكبر عدد ممكن من الناس. بعد ذلك توصل بينثام إلى الاعتقاد بأن الشكل الوحيد للحكومة المنسجم مع النفعية في السياسة، هو الديمقراطية القائمة على احترام إرادة الأغلبية. واعتبر الملكية، حيث تحكم الأقلية، سواء كانت محدودة أو مطلقة، طغيان يتعارض مع الطبيعة. -إشارة من الناشر الروسي-
[25] تشير فضيحة بنما إلى محاكمة انعقدت بسبب تجاوزات قامت بها إدارة شركة تأسست لإنشاء قناة بنما التي تربط المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. خلال المحاكمة تم الكشف عن العديد من التفاصيل الفاحشة التي أسقطت عددا من الوزراء والنواب والممثلين المعروفين. صار اسم “بنما” يطلق على جميع أنواع الفضائح الاجتماعية أو السياسية. -إشارة من الناشر الروسي-
[26] قضية دريفوس: في عام 1894 أدين ألفريد دريفوس، وهو ضابط مدفعية فرنسي شاب من أصل يهودي من الألزاس، بالخيانة لقيامه بتسريب أسرار عسكرية فرنسية وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في مستعمرة العقوبات الفرنسية بجزيرة ديفيل. بعد مرور عامين ظهرت أدلة على أن الرائد في الجيش الفرنسي، فرديناند والسين استيرهازي، هو الجاني الحقيقي. لكن قادة رفيعي المستوى في الجيش قاموا بإخفاء الأدلة التي تدين استيرهازي مما أدى إلى تبرئته بعد محاكمة قصيرة، بينما أضيفت تهم جديدة ضد دريفوس. أدت محاكمة دريفوس إلى فضيحة سياسية قسمت الحياة السياسية الفرنسية في تسعينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تشير الدلائل إلى أن إدانة دريفوس كانت جزءا من محاولة من قبل الملكيين ومعاديي السامية داخل وخارج الجيش الفرنسي لتشويه سمعة الجمهورية. أصبحت تبرئة دريفوس قضية أشهر الشخصيات الليبرالية والديمقراطية في المجتمع الفرنسي إضافة إلى الحركة الاشتراكية. وبفضل جهود الكاتب إميل زولا، والزعيم الاشتراكي الفرنسي جان جوريس وغيره من الناشطين، أُعيد دريفوس إلى باريس عام 1899، وأعيدت محاكمته من جديد، وفي النهاية تمت تبرأته. كشفت محاكمة دريفوس عن عدد من الجرائم التي تورطت فيها أعلى السلطات في الجمهورية والفساد الشديد للصحافة البرجوازية والممثلين السياسيين البرجوازيين في البرلمان. (إشارة من الناشر الروسي، أضاف إليها المترجم الانجليزي مزيدا من المعطيات التاريخية).
[27] فرانشيسكو كريسبي: سياسي إيطالي تقلد منصب وزير أو رئيس حكومة في مختلف الحكومات من 1887 إلى 1891 ومن 1893 إلى 1896. على الرغم من أنه بدأ حياته السياسية ناشطا يساريا، فإنه أعلن لاحقا تحوله إلى الملكية. ارتبط اسمه بفضح التجاوزات التي كانت تقوم بها البنوك الإيطالية الكبرى. -إشارة من الناشر الروسي-
[28] لا نعرف ما إذا كان السيد بليفاكو قد استخدم نيتشه في مرافعاته الدفاعية بنفس طريقة السيد غارنييه مع غوته في شهادته. وإذا كان مامونتوف هو فاوست الروسي، ما الذي يمنعه من أن يلعب دور “الإنسان الأعلى” في موسكو (إشارة من تروتسكي. انظر الاشارة التالية للاطلاع على ما يخص بليفاكو ومامونتوف.)
[29] ملحمة مامونتوف: كان سافا إيفانوفيتش مامونتوف هو المتهم الرئيسي خلال محاكمة اختلاس شهيرة جرت في موسكو عام 1900. وكان مامونتوف واحدا من أبرز الصناعيين في روسيا ورئيسا لسكة الحديد موسكو-ياروسلافال-أرخانجيلسك. اتُهم بالتزوير واختلاس 10 ملايين روبل. كان محامي الدفاع هو فقيه القانون الروسي الشهير فيدور بليفاكو الذي استخدم مهاراته الخطابية الرائعة لتبرئة جميع المتهمين. (إشارة من الناشر الروسي مع إضافة من المترجم الانجليزي)
[30] : كان غابرييل دانونزيو (1863-1938) شاعراً وصحافيًا وروائيًا وكاتبًا مسرحيًا وسياسيًا. منذ بداية حياته المهنية أصبح مدافعا متحمسا عن النزعة التوسعية الإيطالية، وعضوا في الحركة القومية التوسعية المتطرفة التي عبرت عن رغبة البرجوازية الإيطالية الصاعدة في أن تحتل مكانة لها كقوة إمبريالية كبرى إلى جانب القوى الأوروبية الأخرى. وقد أثبتت الأحداث اللاحقة صحة الوصف الذي أعطاه تروتسكي لدانونزيو، حيث اعتُبر لاحقا بمثابة الأب الروحي لبينيتو موسوليني والحركة الفاشية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها. وسيرا على هدي دانونزيو اعتبر موسوليني الدولة الفاشية الإيطالية بمثابة ولادة جديدة للإمبراطورية الرومانية.
[31] اسم مستعار للناقد الأدبي يفغيني سولوفييف، (1866-1905). نشر مقالات في الصحيفة الأدبية جيزن (الحياة) عن الأدب والقضايا الاجتماعية في الأعوام 1870-1890.