تسبب انفجار بيروت الأسبوع الماضي في انفجار للغضب والنضالات، حيث نزلت الجماهير اللبنانية مرة أخرى إلى الشوارع. نحن نقول: لا تثقوا إلا بقواتكم! يا عمال لبنان اسقطوا النظام الفاسد كله!
[Source]
يوم 04 غشت 2020، هزّ بيروت انفجار مروع، حطم الميناء وألحق الضرر بكل شيء على محيط حوالي 09 كيلومترات. كان نطاق الانفجار واسعا لدرجة أنه هز النوافذ حتى في قبرص التي تبعد بـ 264 كيلومتر. وفي أعقاب الانفجار أصيب 6000 شخص وقتل 158 شخصا، وما زال العدد في تزايد. تسببت الأضرار في جعل 300 ألف شخص بلا مأوى.
كان الشعب اللبناني يعاني أصلا. فقد دفعت الطبقة الحاكمة البلاد إلى حافة الهاوية، وجعلت الاقتصاد في حالة خراب. وأمام انخفاض قيمة العملة الذي أدى إلى تضخم رهيب، كان من المتوقع أن يسقط 45% من اللبنانيين في دائرة الفقر عام 2020، وكان هذا قبل جائحة كوفيد 19 أو الانفجار. وأمام توالي الأزمات عانت الجماهير اللبنانية من مشقات رهيبة. وبالتالي ففي أعقاب هذه المأساة، ليس من المستغرب أن الجماهير بدأت في التحرك مرة أخرى.
وفي أكبر استعراض للقوة، منذ الحراك الجماهيري، في عام 2019، الذي شهد خروج أكثر من مليوني شخص إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الحكومة، بدأت الجماهير في التجمع مرة أخرى. احتج 10.000 شخص في بيروت للمطالبة بتغيير النظام بأكمله. لقد فهم هؤلاء المتظاهرون بحق أن التغيير البسيط للوجوه في القمة غير مجد، وأن المطلوب حقا هو إحداث تغيير جوهري يكنس بشكل كامل جميع هؤلاء السياسيين الفاسدين.
وعلى الرغم من الهجمات التي شنتها شرطة مكافحة الشغب، ثم الجيش في وقت لاحق، فإن الحشود قاومت وحاولت السير نحو مقر الجمعية الوطنية. تعرض مقر جمعية البنوك اللبنانية للنهب وتم إضرام النار فيه، مما يكشف عن الكراهية الشديدة تجاه النخبة الرأسمالية الثرية. وقد سمع مرة أخرى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.
الحركة تنبعث من جديد
في أعقاب الانفجار، الذي وقع في 24 غشت، سارعت الحكومة اللبنانية، المدعومة من حزب الله، إلى الدعوة إلى الوحدة الوطنية للخروج من هذه الأزمة. كان في مقدور هذا الخطاب أن ينجح في السنوات السابقة، لكن الجماهير الآن رفضت ذلك على الفور. وبدلا من ذلك تجمع المحتجون بالآلاف في وسط بيروت. ثم بدأوا في التحرك نحو ساحة البرلمان بنية احتلالها، لكن الجيش أوقفهم. تلت ذلك مواجهات عنيفة، شهدت توجيه العديد من المتظاهرين الدعوة للجيش من أجل الانضمام إليهم ضد الطبقة الحاكمة. سُمع صوت امرأة تصرخ: “حقا، الجيش هنا؟… انضموا إلينا ويمكننا محاربة الحكومة معا!”، بينما صاح آخر على الجنود: من سيطعم أطفالكم ويمنحهم الرعاية الصحية؟ أنتم مثلنا”.
تجسد هذا الغضب من خلال إقامة مشنقة رمزية في ساحة الشهداء، تم استعمالها لشنق دمى تمثل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وكذلك رئيس الوزراء السابق الحريري، وأضيف إليهما الجنرال السابق عون وصهره القوي جبران باسيل.
تطالب الحركة بمحاسبة الطبقة الحاكمة على فسادها وإهمالها، وتحملها بحق المسؤولية عن المشاكل التي تواجه الشعب الكادح. قال أحد المتظاهرين، وهو يلتقط صورة عند المشنقة: “هذا هو المكان الذي يجب أن يعلق فيه هؤلاء السياسيون”.
من المهم أن نلاحظ أن هذا الغضب ليس جديدا. وفي حين سارع السياسيون والنخبة الحاكمة في لبنان إلى الحديث عن تقديم “المسؤولين إلى العدالة”، فإن كل ما يحتاجونه هو فقط النظر في المرآة لكي يروا المجرمين المسؤولين عن الويلات التي يعيشها لبنان.
أُجبر الشعب اللبناني، طيلة سنوات، على العيش في فقر مدقع، بينما تعيش نخبة البلد في رفاهية مستفيدة من الفساد. يبقى الناس في لبنان محرومين حتى من الكهرباء 16 ساعة في اليوم. وقد أصبحت مياه الصرف الصحي مشكلة في البلد، حيث تكتفي الحكومة ببساطة بصبها بكميات كبيرة في البحر الأبيض المتوسط بسبب البنية التحتية المتداعية. كما أن التخلص من القمامة يعرف مشاكل مماثلة، حيث يترك المسؤولون الحكوميون القمامة مكدسة في الشوارع. وحدها الاحتجاجات الجماهيرية خلال السنوات السابقة ما أجبرهم على الاهتمام بهذه المسألة الأساسية. وإضافة إلى ذلك فإن أكثر من ثلث العمال اللبنانيين عاطلون عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية.
من الواضح أن الانفجار كان القشة الأخيرة، سواء بالمعنى الحرفي أو المجازي. الطبقة الحاكمة في لبنان، المشغولة بملء جيوبها، تركت قنبلة موقوتة في وسط المدينة، والآن ها هي الجماهير خرجت لتحاسبهم.
لا تدعوهم يختطفون الحركة!
من دروس الحركة التي اندلعت في أكتوبر 2019 هناك الوحدة العظيمة التي أبانت عنها الجماهير اللبنانية. تجاوزت الجماهير الانقسامات على أساس الدين أو الانتماء السياسي، وتخلصت من الطائفية، فخرج مليوني متظاهر إلى الشوارع. وفي غضون أسابيع تمت الإطاحة بحكومة الحريري. وفي ذلك الوقت حاولت الطبقة الحاكمة استعمال تكتيكات لتقسيم الجماهير اللبنانية على أساس طائفي مثلما فعلت طيلة عقود. لكنها فشلت وبقيت الحركة موحدة.
لقد رأينا نفس روح الوحدوية عند الجماهير في أعقاب الانفجار. تم تشكيل ألوية من جميع أنحاء البلاد للمساعدة في جهود الإغاثة وإزالة الأنقاض في بيروت، في تناقض صارخ مع تقاعس الحكومة. لا يجرؤ ممثلو السلطات على الظهور في الشوارع وعندما يفعلون ذلك تواجههم الجماهير بالاستهجان. ويتم الآن تحويل المجارف والمعاول والمكانس التي استخدمت في تنظيف الشوارع، ضد المباني الحكومية والحواجز الخرسانية التي تحمي مقر الجمعية الوطنية.
ومرة أخرى هناك محاولة لاستخدام نفس استراتيجيات التقسيم الطائفي. يحاول حزب الكتائب اليميني الرجعي، على وجه الخصوص، استخدام الحركة لاحتلال موقع رئيسي في مسار تشكيل حكومة جديدة. كان زعيم حزب الكتائب، نزار نجاريان، قد قتل في انفجار بيروت. ولاستغلال هذه الفرصة قام ثلاثة نواب برلمانيين من الحزب بالاستقالة من البرلمان، وقال رئيس الحزب، سامي جميل، إنه ينبغي للجميع الانضمام إليهم لتشكيل “لبنان جديد”. وبدأت شعارات حزب الكتائب و”أحزاب المعارضة” الأخرى تتسلل إلى الحركة. وعلى وجه الخصوص شعار “نزع سلاح حزب الله” أو “بيروت مدينة خالية من السلاح”. وهذا يعكس مطالب حزب الكتائب بضرورة تخلي حزب الله عن كل أسلحته تحت غطاء “الديمقراطية” و”الدستور”.
هذا كله خداع وإلهاء. حزب الكتائب غير مهتم بمساعدة الشعب. إنه الحزب الذي ارتكب العديد من المذابح، بتعاون مع الجيش الإسرائيلي، ضد الفلسطينيين والاشتراكيين والشيوعيين العرب أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. الدافع وراء هذه التحركات هو تحويل الحركة بعيدا عن المطالبة بسقوط النظام بأكمله، نحو المطالبة بتغيير الحكومة فقط. لا شك أن حزب الكتائب يأمل في إسقاط حكومة حزب الله، مما سيسمح له بالاستيلاء على السلطة وإدامة نفس الاستغلال الذي شهدناه منذ عقود. هذه هي نفس الألعاب الطائفية التي رأيناها مرارا وتكرارا. كانت مثل هذه المناورات والانقسامات بالتحديد هي ما أدى في الماضي إلى اندلاع حرب أهلية دفعت فيها الطبقة العاملة الثمن غاليا.
يجب أن نكون واضحين للغاية: ليس هناك من حزب حليف للجماهير بين جميع أحزاب الطبقة الحاكمة في لبنان. “كلن يعني كلن“، هكذا كان شعار الحركة العام الماضي. لا يجب منح ولو ذرة ثقة لهؤلاء المجرمين، الذين كلهم قطع من نفس القماش.
نفاق الإمبريالية
سارعت مختلف القوى الإمبريالية إلى تقديم “دعمها” للمحتجين. والرئيس ماكرون هو من يقود هؤلاء الذئاب المتنكرين في صورة أغنام. أعلنت الحكومة الفرنسية مؤخرا أنها ستعقد قمة إغاثة لجمع المساعدات للبنان. كما أن ماكرون زار بيروت بعد وقت قصير من الانفجار الذي دمر المدينة. كما قدمت الولايات المتحدة دعمها لحق المتظاهرين في الاحتجاج السلمي. يبدو أن للبنان الكثير من الأصدقاء الكبار.
يتضح نفاق ماكرون بشكل خاص عندما ننظر إلى تاريخ لبنان. لقد تم إنشاء النظام الطائفي الحالي القائم على الدين، من قبل فرنسا في الأصل وذلك للحفاظ على سيطرتها على مستعمرتها. كان منح الاستقلال الرسمي للبنان مشروطا بالحفاظ على هذا النظام على حاله، لضمان استمرار هيمنة الإمبريالية على البلد، والانقسامات في الساحة السياسة التي تستخدمها الطبقة الحاكمة حتى يومنا هذا.
نوه ماكرون عدة مرات بالعلاقات الطبيعية بين لبنان وفرنسا. لكن هذه “العلاقة التقليدية” في الواقع تشبه العلاقة بين السيد وعبده، حيث غالبا ما تلجأ الطبقة الحاكمة في لبنان إلى فرنسا في أوقات الحاجة. وغالبا ما تلتزم فرنسا بضخ مبالغ ضخمة تقدر بالمليارات، والتي يتم تبديدها دائما واستخدامها للحفاظ على الوضع القائم.
ماكرون في الواقع تحركه حسابات سياسية. الأمور لا تسير على ما يرام في الداخل بالنسبة له. إنه مكروه من قبل العمال في فرنسا، حيث بلغت شعبيته 38%. لا شك أنه يرغب في تركيز الانتباه على أعماله “الطيبة” على الصعيد الدولي، مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على علاقة قوية مع الطبقة الحاكمة المترنحة في لبنان.
وعلاوة على ذلك تريد القوى الإمبريالية استخدام الكارثة للضغط من أجل تطبيق “الإصلاحات” الاقتصادية (اقرأ: تخريب الإصلاحات) التي يمليها صندوق النقد الدولي، والتي لن تؤدي سوى إلى المزيد من مفاقمة مآسي البلد وتقوي اليد الميتة للهيمنة الإمبريالية، في تحالف وثيق مع الطبقة الحاكمة الفاسدة.
رؤساء صندوق النقد الدولي لا يخفون حساباتهم الكلبية الباردة. ففي بيان صدر، عندما كانت عمليات إنقاذ الناس من تحت الأنقاض ما تزال جارية، قالت المديرة بصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا: ”يختبر صندوق النقد الدولي جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني. من الضروري التغلب على المأزق الذي وصلته المناقشات حول الإصلاحات الحاسمة، ووضع برنامج هادف لتغيير مسار الاقتصاد وبناء المساءلة والثقة في مستقبل البلاد”. [التشديد من عندنا].
نحن نعلم ما الذي يعنيه صندوق النقد الدولي عندما يتحدث عن “الإصلاحات” التي يعتبرها “حاسمة”. لقد أصر صندوق النقد الدولي، على مدى السنوات القليلة الماضية، على إجراء اقتطاعات كبيرة في ميزانية الحكومة: تخفيض أجور عمال القطاع العام وإلغاء دعم الكهرباء وزيادة الضريبة على القيمة المضافة وخفض المعاشات التقاعدية، وما إلى ذلك. يريدون جعل العمال والفقراء يدفعون ثمن أزمة نظامهم.
ليس لماكرون ولا أي من القوى الإمبريالية أخرى مصلحة حقيقية في إحداث تغيير حقيقي في لبنان. إنهم نفس القوى التي دعمت أمراء الحرب في لبنان طيلة عقود، بشبكة من الولاءات المتغيرة باستمرار. إن الوضع القائم في لبنان هو ما هو عليه بسبب تنافس هذه القوى للسيطرة على البلاد. لا يمكن للجماهير أن تتطلع إليهم للحصول على الدعم، لأن ذلك سيكون بمثابة صفقة مع الشيطان.
الثورة هي المخرج الوحيد
من الواضح جدا أن الوضع مريع في لبنان. الناس يعانون في الشوارع، وبيروت -التي كانت ذات يوم جوهرة الشرق الأوسط- أصبحت الآن في حالة خراب. لكن وكما يقول المثل: “يكون الظلام أكثر قتامة قبيل الفجر”. هناك حل لهذا الوضع، إنه الإطاحة بالنظام الحالي واستيلاء الشعب على السلطة. ليس هناك أي مخرج آخر.
المبالغ الهائلة اللازمة لإعادة بناء بيروت وإيواء مئات الآلاف من الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى، يمكن العثور عليها في لبنان نفسه. يجب الاستيلاء على ممتلكات الرأسماليين وأصحاب الملايين الفاسدين واستخدامها كجزء من خطة إنتاج ديمقراطية من أجل الحاجة وليس الربح. الفساد هو أحد أعراض نظام رأسمالي فاسد قائم على المحسوبية والاستغلال. واستئصاله يعني القضاء عن الرأسمالية نفسها واستبدالها بحكومة عمالية ديمقراطية.
وللقيام بذلك لا يمكن للجماهير الاعتماد على أي شيء سوى قواتها الخاصة. يجب أن نرفض مبادرات الأحزاب الحاكمة والقوى الإمبريالية، التي تسعى جميعها إلى تقسيم وإضعاف الحركة من أجل خدمة أهدافها الخاصة. وبدلا من ذلك يجب على حركة الطبقة العاملة أن تكافح وتبني ثورة شعبية يشارك فيها جميع العمال. إن الحركة العمالية إذا انقسمت تنهزم، لكن إذا اتحدت فلن تكون هناك قوة في لبنان يمكنها هزيمتها. إلى الأمام نحو النصر!