لقد أدت الجائحة إلى مفاقمة وتعميق أزمة الرأسمالية التي كانت موجودة بالفعل. نحن نواجه الآن أعمق أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية منذ عقود. وعلى الرغم من بعض الانتعاش، فإن التدابير التي اضطر الرأسماليون إلى اتخاذها في الفترة الماضية (أي ضخ مبالغ هائلة من الإنفاق الحكومي) قد أصبحت محسوسة الآن على شكل ارتفاع للتضخم، مما أدى إلى أزمة ارتفاع متزايد لتكلفة المعيشة التي تثير الاستياء وعدم الاستقرار في جميع أنحاء العالم.
[Source]
الجماهير غاضبة، والمؤسسات الرسمية الفاسدة فقدت مصداقيتها على كل المستويات. وقد صار الصراع الطبقي والتجذر قضايا راهنة. وفيما يلي ننشر نص خطاب ألقاه الرفيق فريد ويستون في فبراير 2022 خلال اجتماع لقيادة التيار الماركسي الأممي، حدد فيه المنظورات الرئيسية للسياسة العالمية.
نحن نعيش في أوقات مثيرة حقا. نحن نعيش في عالم يسوده الاضطراب. تبدو الأوضاع فوضوية. ينظر الناس حولهم ويتساءلون: إلى أين يقودنا هذا؟ وأيا كان من تتحدث إليه، فإنك تجد عنده شعورا بالقلق العميق بشأن ما سيأتي. يعتقد بعض الناس أن هذا مؤشر على أن نهاية العالم قادمة. لكن الحقيقة هي أن هذه ليست نهاية العالم. ما يحدث هو أننا نسير نحو نهاية الشكل الحالي لتنظيم المجتمع. وستكون نهاية مضطربة للغاية، وستستغرق فترة طويلة من الزمن.
إنه امتياز أن يكون المرء ماركسيا اليوم، أن يكون ماركسيا في هذه الأوقات المثيرة للاهتمام. ومع ذلك فهي ليست مجرد أوقات مثيرة. يمكننا القول إن لحظتنا تلوح في الأفق. هذه فترة من التاريخ ستصبح فيها الأفكار التي كافحنا ضد التيار للدفاع عنها طيلة العقود السابقة، هي الأفكار الأكثر منطقية. أينما نظرتم ترون آثار أزمة الرأسمالية على كل مستويات المجتمع وفي جميع البلدان. نحن محظوظون لأن لدينا هذه الأداة الرائعة المسماة بالماركسية والتي تمنحنا القدرة على فهم سبب حدوث ذلك، وشرحه للآخرين.
يجب أن نبدأ بالقول إن الجائحة ليست هي سبب أزمة النظام. فقبل اندلاع الجائحة كنا نحلل، في مقالاتنا، نظاما كان يدخل بالفعل في أزمة عميقة. ما فعلته الجائحة هو تسريع وتعميق وشحذ التناقضات الأساسية في المجتمع، مما أدى إلى تراجع حاد في الاقتصاد. بالطبع، بعد كل أزمة، هناك دائما انتعاش. لا يوجد ركود دائم. لكن هذا ليس هو المهم، لأن ما يجب أن ننظر إليه هو مدى السلامة العامة للنظام ككل، حتى عندما يمر بمرحلة التعافي. بمجرد أن يبدأ رفع آخر إجراءات الإغلاق، سيكون هناك حتما انتعاش في الاقتصاد إلى درجة معينة. في إيطاليا حققوا نموا بنسبة 6 %العام الماضي، وهو رقم كبير! قد تتوهمون من هذا أن إيطاليا قد حلت كل مشاكلها الآن. لكن الأمر عكس ذلك تماما، فهي تمر بأزمة عميقة على الرغم من النمو.
ما يصعد يجب أن ينزل، والعكس صحيح، فمن الناحية الاقتصادية، عندما تنخفض المعدلات يجب أن ترتفع. هذا أمر طبيعي ومتوقع. لكن ما الذي يجلبه هذا التعافي؟ بصرف النظر عن حقيقة أنه قد بدأ يتباطأ بالفعل مرة أخرى –وهو ما توضحه جميع الأرقام المتاحة-، فإننا نرى بالفعل عنصرا جديدا لم يعتد عليه جيل الشباب، أي: التضخم، الذي ينتشر في كل مكان، جنبا إلى جنب مع انعكاس السياسة الاقتصادية نحو ارتفاع أسعار الفائدة، وتصاعد هائل للديون. الحقيقة هي أن الكثير من البلدان، على الرغم من تعافيها من الناحية التقنية، لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل الأزمة.
على مدى السنوات العشرين الماضية، كان الدين العالمي ينمو بمعدل ضعف الناتج الإجمالي العالمي. وقد وصلنا الآن إلى وضع يمثل فيه الدين العالمي 355% من الناتج الإجمالي العالمي. في ظل هذا الوضع، تم في العام الماضي وحده ، دفع 11 تريليون دولار فوائد على الدين، وهو ما يعادل أربعة أو خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل إيطاليا. يحدث كل هذا على أساس قروض رخيصة للغاية. لقد كانت الرأسمالية، في الواقع، تعيش في الوقت الضائع طيلة العقدين الماضيين أو أكثر. كانت القروض الرخيصة تغذي النمو. والآن صار عهد القروض الرخيصة على وشك الانتهاء. والرأسماليون يواجهون معضلة كبيرة.
تشير جميع تنبؤات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي إلى أنه خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، وعلى الرغم من توقع النمو، فإن معدل النمو سيتباطأ عاما بعد عام. ولذلك ففي نفس الوقت بالضبط الذي يحتاجون فيه إلى سياسات لتحفيز النمو، فإنهم بسبب التضخم وبسبب “الحلول” التي تم تبنيها خلال الفترة السابقة، صار يتعين عليهم اتباع سياسة قد تبطئ نمو الاقتصاد أكثر فأكثر. من المتوقع أن تنمو الصين، على سبيل المثال، بنسبة 05%، وهي أخبار سيئة للنظام الصيني. ويقول تقرير للبنك العالمي عن الحالة العامة للاقتصاد العالمي، نُشر في يناير، «قد تتصاعد التوترات الاجتماعية نتيجة لزيادة اللامساواة التي تسببت فيها الجائحة».
“الانتعاش”، لكن بأي ثمن؟
الآن، ومع هذا الانتعاش المزعوم، شهدت العديد من البلدان انخفاض البطالة إلى حد ما. لكن في إيطاليا، على سبيل المثال، الغالبية العظمى من هذه الوظائف مؤقتة أو بعقود قصيرة الأجل. ومع ذلك فإن المهم هو أنه عندما يحصل العمال على وظائف، وعندما تكون هناك زيادة في الوظائف المتوفرة، مثلما رأينا في الولايات المتحدة، فإن هذا ليس بالضرورة أمرا سلبيا من وجهة نظر الصراع الطبقي. لقد سبق لتروتسكي أن شرح هذا الأمر، وهذا له تأثير على استعداد الطبقة العاملة للانخراط في النضال خلال الفترة المقبلة. فعندما يكون لديك تضخم يضغط على القوة الشرائية للأجور، بتزامن مع تزايد شعور العمال بالقوة، يشكل ذلك وصفة ممتازة لاحتداد الصراع الطبقي.
كما أوضح لينين، يمكن للرأسمالية دائما أن تجد مخرجا من الأزمة، لكن السؤال هو: بأي ثمن؟ بدأ النظام الرأسمالي في الخروج من أزمة الجائحة، لكن مع ارتفاع متزايد للتضخم والديون، وخاصة الدين العام الذي نما بشكل كبير في كل مكان. هذه هي عواقب “الحلول” التي قدموها للأزمة التي كانوا فيها.
عندما كنت بصدد إعداد هذه المداخلة، كان مستوى التضخم التركي يبلغ 36%. وقد أشارت “فاينانشيال تايمز” اليوم إلى أنه وصل ما يقرب من 50%؛ و09% في روسيا؛ و07% في أسبانيا. في بريطانيا يزيد عن 05% وهو أعلى مستوى خلال الثلاثين سنة الماضية. لكن إذا نظرنا إلى ما وراء البلدان المتقدمة، سنجد أنه في نيجيريا يبلغ حوالي 16%، وفي باكستان 13%. وهم يتوقعون أن يستمر هذا المستوى من التضخم مرتفعا خلال العامين المقبلين على الأقل. وهم، في الواقع، لا يعرفون إلى متى سيستمر. إن الطبقة السائدة تجلس بسبب ذلك فوق قنبلة موقوتة.
سأتطرق بإيجاز إلى الأحداث في كازاخستان. شكلت الأحداث في كازاخستان تحذيرا. يمكنكم أن تجدوا في جميع البلدان مقابلات مع أسر عمالية تتحدث عن مدى صعوبة الوصول حتى نهاية الشهر. ولا يتعلق الأمر بالفئات الأكثر فقرا أو التي تنتمي إلى أدنى المستويات، إذ أن الطبقة العاملة بأكملها تعاني. ففي بريطانيا، حسبوا أن الأسرة المتوسطة ستخسر 1200 جنيه إسترليني من قوتها الشرائية بسبب التضخم. ويمكنكم العثور على أرقام مماثلة في جميع البلدان.
هناك تضخم حاد في أسعار المواد الغذائية بشكل خاص. دعونا لا ننسى أن أحد العوامل القوية في اندلاع الربيع العربي لعام 2011 كان على وجه التحديد تلك الزيادات الهائلة في أسعار المواد الغذائية. وقد شهدنا، مرة أخرى في عام 2019، موجة من الاحتجاجات في العديد من البلدان، وذلك بفعل هذا العامل على وجه التحديد.
وفي ختام الحديث عن الوضع الاقتصادي العام، يمكنني أن أقتبس من مدير منظمة العمل الدولية، غاي رايدر، الذي قال: «إن تزايد اللامساواة الذي خلقته أزمة فيروس كورونا، يهدد بارتفاع هائل للفقر وباضطراب اقتصادي واجتماعي سيكون مدمرا». هذا هو ما سيحدث!
هذا هو السياق الذي يجب علينا أن ننظر خلاله إلى الأحداث التي شهدتها كازاخستان. (لدينا بعض المقالات الممتازة عن تلك الأحداث، لذا لا داعي للخوض في التفاصيل). كان ارتفاع أسعار الغاز والطاقة هو ما أطلق تلك الحركة. جاء ذلك على خلفية تضخم بنسبة 09% وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 13% و18%.
العوامل التي أثارت الحركة في كازاخستان موجودة في كل بلدان العالم. انظروا ماذا حدث! لقد بدأت في منطقة واحدة، ثم انتشرت إلى جميع أنحاء البلاد لتصبح حركة قوية، مع معارك شوارع مع الشرطة والجيش. كانت حركة حقيقية للجماهير العاملة. شهدنا مشاركة عمال النفط والغاز وعمال المناجم وعمال الصلب. كان عمال النفط يطالبون بزيادة 100% في الأجور. ظهرت المطالب الكلاسيكية للطبقة العاملة على السطح. وكان هناك إضراب عام في منطقة مانجيستاو.
ما رأيناه في كازاخستان كان قوة الطبقة العاملة. لقد شكلت حقا أزمة للنظام. لقد كانت ذات طابع شبه تمردي، حيث استولت على المطارات وأقسام الشرطة. إلا أنه لم تكن هناك قيادة، وقد رأينا ما سيحدث عندما يكون هذا هو الحال. قدم النظام في البداية بعض التنازلات، ثم ضرب بقوة. كما استدعوا المساعدة من جانب الروس لقمع الحركة. لكن المشاكل التي أدت إلى اندلاع تلك الحركة لم تحل بعد. يجب استخدام المثال من أجل تسليط الضوء على نقطتين مهمتين: الأولى هي قوة الطبقة العاملة، لكن أيضا ما الذي يحدث عندما لا تكون هناك قيادة. لقد كان منظرو البرجوازية الجديون قلقين للغاية عندما رأوا تلك الأحداث، لأنهم فهموا ما نفهمه نحن الماركسيون، ولكن من وجهة نظر مصالحهم الطبقية.
الصراع الطبقي والمواجهات
ومع ذلك فإن المنظور ليس مجرد صراع طبقي مكثف في كل مكان، بل هو أيضا مواجهات متزايدة بين مختلف القوى الرأسمالية. إنه أمر منطقي، إذ يجب على كل قوة رأسمالية أن تصدر مشاكلها من أجل حل أزمتها. إن الاتجاه المتزايد نحو الحمائية يعني أن كل طبقة رأسمالية وطنية تحاول حماية الوظائف في بلادها على حساب الوظائف في بلدان أخرى، والأهم من ذلك، حماية أسواقها، وغزو أسواق أخرى لصادراتها.
يفسر الوضع الحالي السبب الذي يجعل جميع القوى تطور سياسة خارجية أكثر عدوانية. هذا يجعلهم يدخلون في صراعات في نقاط مختلفة حول العالم. أزمة أوكرانيا تسلط الضوء على ذلك. لقد رأينا حلف الناتو، الذي كان منذ انهيار الاتحاد السوفياتي يتعدى ببطء على مجال نفوذ روسيا التاريخي، وهو يقترب أكثر فأكثر من حدود روسيا. إذا انضمت أوكرانيا، فهذا يعني وصول الناتو إلى الحدود الغربية لروسيا.
يأتي ذلك في وقت عادت فيه روسيا إلى الوقوف على قدميها واستعادت توازنها. كنت أقرأ تقريرا يوضح كيف تم، خلال السنوات الأخيرة، تحديث الجهاز العسكري الروسي على نطاق واسع، وكيف أصبح أكثر كفاءة. وبوتين الآن هو بصدد استعراض العضلات التي بناها. إنه يريد دفع الناتو إلى الوراء، وأوكرانيا هي المكان الذي يحدث فيه ذلك. الدعاية التي يطلقها الغرب هي أن الناتو ينشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. نحن الماركسيين لا ننخدع بالدعاية البرجوازية. ومن وجهة النظر الروسية، هناك تحالف الناتو الضخم الذي يهددهم في ساحتهم الخلفية. إن السؤال حول على “من يقع اللوم”؟ هو سؤال سخيف لسنا مهتمين به.
المنظور الأكثر ترجيحا هو أن بوتين، بينما يرفع سقف التحدي إلى أقصى الحدود، يفعل ذلك من أجل التفاوض. ومع ذلك فإنه من غير المستبعد تماما أنه قد يقوم بتدخل قصير ومحدود. إنه ليس المنظور الأكثر احتمالا، لكنه قد يحدث. ومع ذلك فإن بوتين يمتلك أوراق أخرى بين يديه. تزود روسيا الاتحاد الأوروبي بـ40% من غازها. وهذا مهم لألمانيا بشكل خاص، وهو ما يفسر أيضا سبب عدم موافقة ألمانيا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أوروبا.
يستطيع بوتين رؤية الانقسامات داخل أوروبا. بوريس جونسون، الذي يحتاج بدوره إلى شيء يمكنه من تحريف الانتباه عن مشاكله الداخلية، سافر إلى أوكرانيا وقدم عرضا كبيرا للدعم، في حين اتصل رئيس الوزراء الإيطالي، دراغي، ببوتين عبر الهاتف ليطمئن إلى أن إمدادات الغاز الإيطالية لن تنقطع. أفترض أن هذا هو الفرق بين دماغ المصرفي ودماغ المهرج. ومع ذلك فإن هذه مواجهة حقيقية. لكن عواقب الحرب المباشرة ستكون كارثة مطلقة على الاقتصاد العالمي. هناك الكثير من المقالات المنشورة في الصحافة البرجوازية الجادة التي يمكن للرفاق قراءتها عن العواقب الاقتصادية لمثل هذه الحرب.
العقوبات الشديدة التي يهدد الأمريكيون بفرضها [على روسيا] سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، وستزيد من العوامل التي من شأنها أن تبطئ الاقتصاد العالمي إلى حد ما. الأزمة في أوكرانيا هي انعكاس للأزمة العالمية للرأسمالية. إنها مؤشر على التوترات المتزايدة بين القوى الكبرى. إنها تكشف عن الانقسامات المتزايدة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. وتؤكد الاختلاف المتزايد بين الولايات المتحدة وأوروبا. كما أنها انعكاس للضعف النسبي للإمبريالية الأمريكية على المستوى العالمي. لكنها أيضا مؤشر على أزمة بوتين الداخلية في روسيا نفسها. تقييمات شعبيته آخذة في الانخفاض. والتضخم مرتفع والفقر يتزايد في روسيا.
استمرار الجائحة والاستقطاب
لا أريد تمضية الكثير من الوقت في نقاش جائحة كوفيد 19، على الرغم من أنها عنصر مهم في الموقف. لقد رفعت العديد من البلدان قيودها، لكن منظمة الصحة العالمية أصدرت تحذيرا من أن الجائحة “ليست قريبة من نهايتها”. تسبب أوميكرون، خلال أسبوع واحد فقط، في 18 مليون إصابة جديدة على مستوى العالم. إنهم يأملون في أن يكون أوميكرون، الذي تبدو أقل خطورة، مشكلة أقل. ومع ذلك فإنه أيضا أكثر قدرة على العدوى، والآن هناك أوميكرون 02، وهو أكثر عدوى.
قد يكون الفيروس بصدد التحول، ويصبح نوعا من سلالة جديدة من الأنفلونزا كما يأمل الناس. ومع ذلك فإن ما يزال الوقت مبكرا، ولا يمكن لأحد أن يضمن أن ما عانى منه العالم خلال العامين الماضيين لا يمكن أن يحدث مرة أخرى، في ظل ظروف الرأسمالية.
ومع ذلك ، فإن تأثيرات كوفيد 19 تتجاوز التأثير المباشر على حياة الناس. لقد خلقت مشاكل للنظام، ليس فقط من حيث الاضطراب الاقتصادي. لقد فضح النظام في أعين الجماهير. فئات كبيرة من الجماهير لم تعد تثق في الحكومات والمؤسسات الرسمية وما تفعله.
سبب الأزمة الحالية للحكومة البريطانية، على سبيل المثال، هو سلوك الأشخاص الموجودين في القمة خلال فترة الإغلاق. إذ بينما لم يكن الناس العاديون قادرين على زيارة أقاربهم المسنين الذين كانوا في المنازل أو المستشفيات، كان بوريس يقيم حفلات في داونينغ ستريت. وقد كان هناك بالطبع من بين حزب المحافظين من قرروا تصوير تلك الأحداث وتسريبها للصحافة، بهدف واضح هو تشويه سمعة بوريس جونسون لخدمة مصالح صراعاتهم الفئوية الداخلية. الصورة التي عند الناس عن الحكومة الآن هي أنه بينما كان يطلبون من الشعب البقاء في المنازل، استمروا هم في قضاء أوقات ممتعة، وأنهم لا يهتمون بالناس العاديين. هذه هي الرسالة التي تصل إلى الجماهير.
وهناك الآن بالطبع مشكلة إضافية تتمثل في من سوف يدفع ثمن العواقب الاقتصادية للجائحة. هناك نمو هائل في الدين العام، وسيتعين على أحد ما دفع ثمنه، وستكون الطبقة العاملة هي من سيتم تحميلها الفاتورة. نرى ذلك في احتجاج الممرضين على سبيل المثال. يقول الممرضون «أثناء الجائحة كانوا يصفقون لنا، لكن عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بزيادة الأجور، تقدم الحكومة زيادات بائسة في الأجور للعاملين الصحيين». وهذا عنصر سيستمر في لعب دور في تسعير الصراع.
لا يمكننا أن نتعامل هنا مع جميع بلدان العالم، لكن يمكننا أن ننظر إلى بعضها للتأكيد على السيرورات العامة الجارية. لقد رأينا في الولايات المتحدة بالضبط ما قلته من قبل: فمع الجائحة هناك طلب كبير على الرفع من الأجور في العديد من القطاعات. شهدنا في القطاع الصناعي الخاص، خلال العام الماضي، زيادات في الأجور بنسبة 04%، وهي الأعلى منذ 20 عاما. لكن المشكلة هي أن التضخم في الولايات المتحدة يبلغ 07% وليس 04%. بلغ معدل التضخم أعلى مستوياته منذ 40 عاما. هذه وصفة ملائمة للصراع الطبقي. وقد رأينا ذلك في موجة الإضربات التي اجتاحت الولايات المتحدة العام الماضي.
نحن نشهد هذا في جميع البلدان، الواحد منها تلو الآخر، يختمر شيء مشابه في بريطانيا. تجدر الإشارة إلى أن نسبة المنتمين إلى النقابات في الولايات المتحدة هي 11% فقط من القوة العاملة. رأيت مقالا في الفاينانشيال تايمز يحلل وضع النقابات العمالية البريطانية، وقد استنتج المقال أنه بالنظر إلى أن العضوية النقابية تمثل حوالي نصف ما كانت عليه في السبعينيات، فإنه لن يكون لدينا نفس مستوى النشاط الإضرابي الذي شهدناه في السبعينيات. يجب أن يتذكروا أن ماي 1968 وقع في فرنسا التي تسجل مستوى أدنى من العضوية النقابية. لا يعتمد الأمر على عدد الأشخاص المنخرطين في النقابة. إنه يعتمد على مدى غضب الطبقة العاملة واستعدادها للنضال. في أحد استطلاعات الرأي في أمريكا رأيت أن 65% من الأمريكيين يؤيدون النقابات العمالية. هذا أعلى رقم يسجل منذ عام 1965. والشباب أكثر تجذرا في هذا الصدد. في الفئة العمرية بين 18 و29 عاما، يؤيد 78% النقابات العمالية في الولايات المتحدة. يسلط هذا الواقع الضوء على ما يحدث داخل الطبقة العاملة.
أود أن أنهي حديثي عن الولايات المتحدة بتعليق مثير للاهتمام. كتبت باربرا والتر، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا، كتابا عن كيفية اندلاع الحروب الأهلية. قامت بتحليل تجارب بورما وأيرلندا الشمالية ورواندا وسريلانكا وسوريا ويوغوسلافيا ووجدت العناصر المشتركة. والمثير للاهتمام هو أنها وجدت نفس العناصر في الولايات المتحدة اليوم. وهي بالطبع لا تقدم أي حل للمشكلة. إن ما تتحدث عنه في الواقع هو الصراع الطبقي المتصاعد في الولايات المتحدة.
الصين هي القوة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والنمو المتوقع بنسبة 05% يمثل تباطؤا كبيرا مقارنة بما كانت تسجله من قبل. وهو ما يقود المحللين الجديين إلى الحديث عن تصاعد خطر الاضراب الداخلي في الصين. أدى هذا القلق بشأن المشاكل الداخلية للصين إلى تمركز السلطة في أيدي شي جين بينغ، إلى جانب نهج سياسة خارجية أكثر عدوانية. لقد اشتبكت الصين مع أستراليا، ولديها مطالبات في بحر الصين الجنوبي. كانت لها صراعات مع اليابان، ومع الهند في جبال الهيمالايا. إنها تهدد تايوان باستمرار وقد اتخذت موقفا شديد العدوانية تجاه هونغ كونغ، التي يواصلون ابتلاعها.
إن التطور الاقتصادي الهائل الذي شهدته الصين على مدى عقود هو بالتحديد الذي أدى بها إلى الدخول في صراع على المستوى العالمي مع الولايات المتحدة الأمريكية. شي جين بينغ قلق بشأن القضايا العالمية، لكنه قلق أيضا بشأن المشاكل الداخلية. يعتبر التفاوت المتزايد في توزيع الثروة في الصين واحدا من أكثر التفاوتات تطرفا في العالم. يدرك شي جين بينغ ذلك تماما. إنه قلق للغاية بشأن ما يمكن أن يؤدي إليه الاستقطاب الاجتماعي في الصين. كما أنه يتطلع إلى أزمة مالية حادة. نرى ذلك على سبيل المثال في شركة Evergrande. يمثل قطاع الإسكان في الصين 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وEvergrande واحدة من أكبر المنعشين العقاريين في العالم. لكن صارت بديونها البالغة 300 مليار دولار، تشكل تهديدا للاقتصاد الصيني، وبالتالي للاقتصاد العالمي.
سأقتبس فيما يلي التقرير الذي أصدره المجلس الأطلسي، في دجنبر، والذي في إشارته إلى الصين، قال ما يلي:
«يمكنها أن تواجه اضطرابات اجتماعية كبيرة من شأنها أن تقوض سيطرة الحكومة على السلطة. كيفية إدارة الصين لهذه التحديات الكاسحة ستؤثر أيضا على كيفية تعاملها مع العالم، وما إذا كان اقتصادها محركا أم عائقا للنمو العالمي المستقبلي».
نرى هنا كيف انتقلت الصين من كونها قاطرة للاقتصاد العالمي إلى عامل آخر يمكن أن يعرقله.
نحن وهم
بالعودة إلى روسيا والمشكلات التي يواجهها بوتين: البطالة في روسيا آخذة في الازدياد. وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات. الدخل الحقيقي آخذ في الانخفاض، والتضخم وصل 09%، وتراجعت شعبية بوتين إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2012. وكما رأينا فإن هذا عنصر مهم في تفسير سياسة بوتين الخارجية. وبالتالي فإن كلا من روسيا والصين، اللتان هما قوتان مهمتان، يمثلان عنصرين لمزيد من الاضطراب، وليس عنصرين لمزيد من الاستقرار على الصعيد العالمي. ويمكن لكلا البلدين أن يساهما في كبح وتيرة الانتعاش العالمي.
وبينما تمارس أمريكا ضغوطا على روسيا، فإن الصين تدعم روسيا فيما يتعلق بأوكرانيا. لديهما نفس العدو: الولايات المتحدة. الصين لديها صراعاتها مع الولايات المتحدة في المحيط الهادئ. لها موقفها العدواني تجاه تايوان، وبالتالي لديها، في هذه المسألة، مصالح مماثلة لروسيا.
بخصوص أوربا سبق لنا أن قلنا دائما إن ايطاليا هي الحلقة الأضعف في الاتحاد الأوروبي. إنها ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بعد ألمانيا وفرنسا. عندما كنت في إيطاليا مؤخرا، كانت النكتة المنتشرة هي أنه علينا فقط أن نفعل ما يُقال لنا الآن، لأن “الأوروبيين” –أي الألمان والفرنسيين- منحونا مليارات اليوروها، وبالتالي فهم من يقررون ما الذي على بلدنا أن يفعله. حصلت إيطاليا على ما يقرب من 200 مليار يورو، في إطار ما يسمى بخطة التعافي للاتحاد الأوروبي، والتي تقوم على ضخ المليارات في اقتصاد الاتحاد الأوروبي. المحافظ السابق للبنك المركزي الأوروبي هو رئيس وزراء إيطاليا، وهو موجود، بالطبع، للتأكد من تنفيذ السياسات المطلوبة. لكن المشكلة هي أن هناك مسافة كبيرة ومتنامية بين عالم السياسة وبين ظروف الملايين من الناس.
ما لدينا في إيطاليا هو حكومة وحدة وطنية. الجميع مشاركون باستثناء حزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف. وتعتبر المهزلة بشأن انتخاب الرئيس الجديد رمزا للوضع القائم، فلمدة أسبوع كامل امتنع أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الشيوخ عن التصويت يوما بعد يوم. كانت تلك في الواقع أزمة سياسية هائلة لأنهم بحاجة إلى رجل يتمتع بالسلطة ويمكنه الحفاظ على الوضع أثناء تطبيق البرنامج الذي يمليه الاتحاد الأوروبي على إيطاليا. وقد تعرضت سلطة كل هؤلاء السياسيين للمزيد من الضرر بفعل تلك الأحداث.
هذا عنصر مشترك بين العديد من البلدان، حيث يقول الشعب إن “الأشخاص الموجودين هناك لا يمثلوننا”. والسؤال هو كيف سيمكنهم حكم بلد مثل إيطاليا، وتطبيق تلك السياسات، وفي نفس الوقت تتجنب الصراع الطبقي؟ سمعت في إيطاليا تعليقات حول أحداث كازاخستان مثل: “إنهم يعرفون كيف يناضلون!”، وكنت قد سمعت تعليقات مماثلة حول حركة السترات الصفراء في فرنسا: “الفرنسيون، يعرفون حقا كيف يناضلون!”. لقد اندلعت الحركة في كازاخستان على أساس وضع مشابه جدا لما لدينا في إيطاليا. سوف تتأثر إيطاليا بشدة من جراء الزيادة في أسعار الطاقة. وليس من قبيل المصادفة أن دراغي كان عند اتصاله ببوتين قلقا بشأن إمدادات الغاز أكثر من قلقه بشأن الوضع في أوكرانيا.
يمكن لألمانيا، وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز، أن تتحول من كونها قاطرة اقتصادية لأوروبا إلى سبب في التباطؤ. تعاني ألمانيا من ضعف إنفاق الأسر، وما يزال الإنتاج الصناعي أقل بكثير مما كان عليه قبل الأزمة. تعتبر الصين ثاني سوق لألمانيا بعد الولايات المتحدة، وبالتالي فإنه سيكون للتباطؤ في الصين عواقب وخيمة عليها. كما أن التباطؤ في ألمانيا سيكون له عواقب وخيمة على بقية أوروبا. يمكن للمرء أن يرى كيف يتحد كل هذا في أزمة عامة.
وما يحدث في بريطانيا يسلط الضوء على نفس السيرورة التي نراها في جميع البلدان الأخرى. شهدنا حدوث أكبر انهيار في الاقتصاد منذ 300 عام، وقد تفاقم بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع نقص سائقي الشاحنات وعمال الرعاية الصحية، ونقص المواد الغذائية في المتاجر. وهناك أيضا مشكلة أيرلندا الشمالية التي لم يتم حلها. أوصى وزير إيرلندي شمالي بمنع عمليات التفتيش على واردات المنتجات الزراعية من بقية بريطانيا العظمى، مما يخالف الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي. ليدنا في بريطانيا حكومة غارقة في الأزمة.
هناك شيء واحد يجيده بوريس جونسون حقا، إنه: الكذب الوقح أمام الملايين. لا يستطيع حتى أن يتذكر ما إذا كان قد حضر حفلة في شقته الخاصة. وقد لاحظ ذلك ملايين الأشخاص في بريطانيا. المزاج الجماهيري غاضب، والملايين يفكرون قائلين: “هكذا يتصرف هؤلاء بينما ملايين الناس في ورطة خطيرة”.
إنه يعيش في الوقت الضائع الآن، ولم يتبق له الكثير. المأساة هي أن حزب العمال يتصرف حقا مثل معارضة موالية لجلالة الملكة. عندما يكون لديك عضو من حزب المحافظين يمكنه عبور الغرفة والانتقال من كونه محافظا إلى كونه عضوا في حزب العمال، بعد أن قام بالتصويت لمئات الإجراءات الخاصة بحكومة المحافظين، ويرحب به ستارمر، فإن ذلك يوضح مدى الانعطافة اليمينية التي أحدثها ستارمر في الحزب.
وبينما يحدث كل هذا في القمة، لا بد أن ننظر إلى ما يحدث في أوساط الطبقة العاملة في بريطانيا. لدينا أمينة عامة جديدة لنقابة “Unite”، هي شارون غراهام. وقد نشرت مقالا في تريبيون يوم 30 دجنبر، قالت فيه: «علينا أن نبني قوة شعبية للطبقة العاملة». كم مرة سمعتم زعيما نقابيا يتحدث عن “قوة شعبية للطبقة العاملة؟”. في أي بلد آخر يمكنك أن تجد زعيما نقابيا قال هذا خلال الفترة الأخيرة؟ هذا تعبير عن الغضب الذي يغلي بين صفوف الطبقة العاملة. وهذه النقابة منخرطة الآن في إضرابات أكثر من أي وقت في تاريخها. وقالت: «ليس هناك في وستمنستر بطل قادم لإنقاذنا»-أفترض أن هذا يعني أن كوربين لم يعد هناك- ثم أضافت: «يجب علينا أن نقوم بذلك بأنفسنا».
العمال يتحركون
نرى هنا الطبقة العاملة وهي تنتقل من النضال على الجبهة السياسية إلى الجبهة النقابية. لقد حاولت الطبقة العاملة في بريطانيا، في الفترة الأخيرة، التعبير عن نفسها من خلال حزب العمال ومن خلال كوربين. انضم إلى الحزب نصف مليون شخص، كثير منهم غادروا الآن، لكنهم لم يختفوا! والغضب والتجذر الذي تم التعبير عنه من خلال كوربين، يتم الآن التعبير عنه على الجبهة النقابية.
في مجلة MoneyWeek، التي هي مجلة لعالم المال، تم نشر مقال فكاهي في يناير، كان عنوانه: “اطلب زيادة في الراتب: فالجميع يفعل ذلك!”. تضمن المقال صورة لمظاهرة لعمال يحملون لافتة كتب عليها: “لا يمكننا تحمل الإضراب”، ثم تحتها عبارة: “لا يمكننا تحمل عدم الإضراب”. كان المقال كله يدور حول الانضمام إلى النقابات، والتصاعد في كفاحية العمال. يتم التعبير عن هذا الآن من خلال الإضرابات في العديد من القطاعات في بريطانيا.
النقاش الذي لا فائدة منه في مثل هذه اللحظة هو الجدل حول أين سيبرز اليسار داخل الأحزاب الجماهيرية. لقد رأينا كيف أعطت حركات بوديموس [في إسبانيا] وسيريزا [في اليونان] وميلينشون [في فرنسا]، في الماضي، تعبيرا جزئيا عن التجذر اليساري الذي شمل ملايين العمال والشباب. لكن ونظرا لأن كل تلك الحركات لا تسعى إلا إلى محاولة إصلاح النظام، وتطبيق سياسات متوافقة مع النظام الرأسمالي، فقد اضطرت جميعها إلى التراجع والتخلي عن خطابها الكفاحي السابق. وهذا يعني أننا سوف نشهد في الفترة المقبلة تعبير غضب العمال والشباب عن نفسه من خلال الإضرابات والمظاهرات واحتجاجات الشوارع، وما إلى ذلك.
ومع ذلك فإن البرجوازية ترغب في العودة إلى “الحياة الطبيعية”. لكن أي نوع من الحياة الطبيعية ينتظرها؟ ستكون: التضخم، الذي سيرفع معدل الفائدة ببطء في كل مكان، وهو ما سيكون له بدوره تأثير في إبطاء النمو. وهناك عوامل أخرى على المستوى العالمي يمكنها أن تعيق النمو الاقتصادي، بدءا من التباطؤ في الصين إلى تأثير العقوبات المحتملة على روسيا، وما إلى ذلك.
كما تؤدي الأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى أزمة النظام بأكمله في كل مكان. هذا هو الحال عمليا في كل البلدان. كان هذا واضحا جدا في إيطاليا خلال الأزمة التي واجهها البرلمان في انتخاب الرئيس. لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق، وقد فضح ذلك مؤسسات الدولة أمام أعين الجماهير. وفي بريطانيا لدينا أزمة النظام الملكي حيث يواجه الأمير أندرو المحاكمة، وذلك بعد وقت قصير من مغادرة الأمير هاري إلى أمريكا، بعد اتهامه لبقية أفراد العائلة المالكة بالعنصرية. كما تورط جهاز الشرطة في بريطانيا في الفضيحة تلو الأخرى. أما في الولايات المتحدة فقد شاهدنا الخطب الملتهبة الأخيرة لترامب، حيث قال إنه سيعفو عن الأشخاص الذين هاجموا مبنى الكابيتول في واشنطن العام الماضي، مما يؤكد بشكل أكبر على عمق الأزمة الجارية هناك.
سيكون رفع قيود كوفيد 19 مثل رفع الغطاء عن طنجرة الضغط. سوف تضع الطبقة العاملة بصمتها على الساحة، وسيكون الشباب في المقدمة. نشهد في إيطاليا اندلاع حركة طلاب المدارس، والتي واجهتها الشرطة بوحشية في روما وتورينو، مما سيكون له تأثير في المزيد من الراديكالية بين الجماهير. وهذه الحركة الشبابية هي ببساطة استباق لحركة أكبر من قبل الطبقة العاملة.
أيها الرفاق! إن منظوراتنا مليئة بالتفاؤل، لأننا نستطيع أن نرى ما يتراكم في أعماق المجتمع. إذا ما نظر المرء إلى بقية تيارات اليسار، من إصلاحيين وغيرهم، سيرى مدى تشاؤمهم. إنهم لا يرون أي مخرج وذلك لأنهم بعيدون تماما عن فهم السيرورات الحقيقية الجارية. نحن لسنا متشائمين لأننا نرى ما يتراكم ونفهم إلى أين يقود كل هذا، نرى أنه يقود نحو اندلاع حركة للطبقة العاملة والشباب على مستوى العالم لم نشهدها منذ عقود.
لدينا منظورات واضحة، لكن المنظورات الواضحة والصحيحة في حد ذاتها لا تحل مسألة بناء التيار الماركسي. المنظورات هي دليل للعمل، بوصلة، يمكنها أن تساعدنا على فهم إلى أين تتجه السيرورة. لكن يجب علينا أيضا أن نبرز ما هي مهامنا في هذه الأوقات.
هناك تجذر عظيم، يمكنكم أن تلمسوه بأيديكم في كل مكان. في إيطاليا، على سبيل المثال، هناك اليوم فئة من الشباب قرروا أنهم مؤيدون للثورة ويبحثون عن منظمة ثورية. يمكننا بفضل نظريتنا أن نكسب أفضل هؤلاء الشباب ونعمل على تنظيمهم وتوجيههم نحو الطبقة العاملة. إذا قمنا بعملنا بشكل صحيح وقمنا ببناء قواتنا بشكل كاف، ستصير الأوقات التي نعيشها مثيرة حقا. يجب علينا أن نقنع كل رفيق بحس الاستعجال، وفهم الدور الذي يمكن أن نلعبه نحن الماركسيون في التاريخ إذا ما قمنا ببناء قواتنا، واستعددنا قبل أن تتكشف الأحداث الكبرى.
فريد ويستون
11 فبراير/ شباط 2022
مصدر وعنوان المقال الأصلي:
Inflation, instability and insurrectionary movements: the ‘new normal’ for world capitalism