أيام 17- 18- 19 مارس، نظمت هيئة تحرير موقع ماركسي (الموقع العربي للتيار الماركسي الأممي)، وأنصار التيار الماركسي الأممي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، جامعة ماركسية ربيعية، عبر تقنية التواصل عن بعد. وقد كانت جامعة ناجحة سواء من حيث المستوى النظري العالي الذي ميزها، أو من حيث المسجلين الذين بلغ عددهم 254 من مختلف بلدان المنطقة والعالم !
[Source]
عرفت الجلسات متوسط حضور بلغ حوالي 40، وهو الرقم المهم نسبيا بالنظر إلى صعوبات الوصول إلى خدمة الانترنت في المنطقة وكل العراقيل الأخرى. لقد كان الحدث، في المحصلة، لبنة كبرى في بناء صرح التيار الماركسي الأممي والقوى الماركسية في المنطقة.
تضمنت أشغال الجامعة خمس جلسات: ناقشنا اليوم الأول المنظورات العالمية لسنة 2023. أما اليوم الثاني فقد خصصناه لنقاش: “وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر: المنظور الماركسي ضد المنظور النسوي”. و”المسألة القومية في منطقتنا، أي منظور للحل؟”. بينما خصصنا اليوم الثالث لنقاش “الماركسية ضد نظرية “المركز والأطراف”: دفاعا عن الثورة الدائمة”، و”كيف ننظم كفاحنا: ضرورة الحزب الثوري”.
مرحلة تغيرات عميقة
كانت الجلسة الأولى من تقديم الرفيق حميد علي زادة، عضو السكرتاريا الأممية للتيار الماركسي الأممي، والذي أكد أننا نعيش في مرحلة من التحولات السريعة والكبرى على الصعيد العالمي وأن العالم يتضمن الكثير من المواد القابلة للاشتعال، بما في ذلك البلدان الرأسمالية المتقدمة (مثلما رأينا في الاحتجاجات والإضرابات العمالية في بريطانيا وفرنسا على سبيل المثال).
وأوضح ان النظام الرأسمالي غارق في أعمق أزماته على الإطلاق، إلى درجة أنه يمكن حتى للأحداث الصغيرة العرضية أن تخلق تصدعات قد تؤثر على النظام بأكمله. وقال إن هناك تحولات تحدث في كل مكان، والطبقة العاملة بدأت تعود لساحة النضال. وهو ما ينبئ بأحداث كبرى تتحضر وأنه علينا أن نكون مستعدين لذلك.
وشرح هذه التغيرات الكبيرة التي تؤثر على الوعي، خاصة بين صفوف الجيل الجديد من الشباب الذين لم تقدم لهم الرأسمالية سوى الأزمة والتقشف، وأن ما نشهده الآن هو الصحوة الثورية للطبقة العاملة الأممية.
وأوضح أيضا أن الماركسية أثبتت صحتها عشرات المرات ومنظوراتنا للصراع الطبقي أثبتت صحتها عشرات المرات، والطبقة العاملة أثبتت عشرات المرات رغبتها وقدرتها على تغيير النظام.
لكنه أشار كذلك إلى أن قوانا ما تزال صغيرة، وأنه علينا أن نبني القيادة الثورية لكي نتمكن من إيصال صوتنا للعمال والشباب الذين ينهضون إلى النضال اليوم، من أجل قيادة تلك النضالات نحو القضاء على هذا النظام الرأسمالي المتعفن مرة وإلى الأبد.
تحرر النساء والمسألة القومية
كانت الجلسة الأولى خلال اليوم الثاني من تقديم الرفيق نورالدين، من هيئة تحرير موقع ماركسي، والذي أوضح الوضع المريع الذي تعيشه النساء عالميا وفي منطقتنا، إلا أنه أكد على أن النساء لسن مجرد ضحايا مسكينات مستسلمات لمصيرهن، بل هن مناضلات شرسات من أجل حقوقهن ومن أجل التغيير.
وأشار إلى أن النساء كن هن من أشعلن ثورة باريس 1789، وكذلك ثورة فبراير 1917 الروسية، وأشار إلى الدور القيادي الذي لعبته النساء في الثورات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
ثم انتقل إلى نقاش أوجه التناقض بين المنظور الماركسي وبين المنظور النسوي في فهم قضية تحرر النساء، سواء في ما يتعلق بفهم أصل اضطهاد النساء، أو طرق النضال ضد اضطهاد النساء او آفاق ذلك النضال.
شرح أن النسوانيات تزعمن أن سبب اضطهاد النساء هو “عقلية بطريركية” متأصلة في الرجل، وأن النضال ضد ذلك الاضطهاد شأن جماعي لكل النساء بغض النظر عن موقعهن الطبقي، وأنهن يبحثهن عن ايجاد حل في ظل الرأسمالية.
إلا أننا، نحن الماركسيون، نعتبر أن جذور اضطهاد النساء مرتبطة بظهور المجتمع الطبقي، ونربط النضال من أجل تحرر النساء بالنضال الطبقي. وأننا وإن كنا نناضل بشكل مبدئي ضد كل أشكال اضطهاد النساء ومن أجل كل التحسينات الممكنة في ظل الرأسمالية، فإننا نعتبر أنه لا يمكن تحقيق التحرر الكامل والدائم للنساء إلا بالتغيير الاشتراكي للمجتمع.
الجلسة الثانية من اليوم الثاني كانت حول المسألة القومية، من تقديم الرفيق محمد حسام. شرح الرفيق أن الماركسية أولت اهتماما كبيرا لهذه المسألة، كما أنها أخضعتها للتحليل الملموس ومصالح الطبقة العاملة الأممية.
ثم انتقل إلى نقاش المسألة القومية في منطقتنا وخاصة القضية الفلسطينية. حيث قدم سردا تاريخيا لجذور القضية، وفضح إفلاس المنظمات التي قامت على تكتيكات الارهاب الفردي، سواء اليسارية منها أو الاسلامية، وإفلاس كل المشاريع التي قامت على محاولة حل القضية في ظل الرأسمالية.
وأكد أن الحل الوحيد الممكن للقضية الفلسطينية هو النضال العمالي الأممي، الذي يقوم على الدعوة إلى تحالف كل عمال المنطقة، فوق كل الاختلافات القومية والدينية واللغوية وغيرها، في نضال موحد ضد الطبقات السائدة، سواء في إسرائيل أو في بقية بلدان الشرق الأوسط. ودافع عن منظور فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط، تضمن لكل الشعوب حقها في تقرير مصيرها.
الحزب والثورة الدائمة
في اليوم الثالث كانت الجلسة الأولى حول “الماركسية ضد نظرية ‘المركز والأطراف’: دفاعا عن الثورة الدائمة”. من تقديم الرفيق محمد سعيد الذي شرح، من خلال نقاشه لتصورات سمير أمين، الذي هو أحد أهم رواد هذه النظرية، الارتباك الكبير الذي يميز نظرية المركز والأطراف، وطريقتها غير النزيهة في النضال ضد الأفكار الماركسية.
ثم انتقل إلى توضيح نقاط الاختلاف بين تلك النظرية وبين الماركسية، وخاصة ادعاؤها وجود خصوصية مزعومة “لبلدان الأطراف” تجعلها محكومة بمسار تاريخي خاص، “لا رأسمالي للتطور”، وما إلى ذلك من أخطاء سبق النضال ضدها وتفنيدها مرارا، لكنها تعود للظهور بمظهر “النظرية الجديدة”.
ثم شرح كيف أن نظرية الثورة الدائمة خرجت مجددا منتصرة بقدرتها على شرح طبيعة العلاقات السائدة في البلدان المستعمرة سابقا، وتأكيدها على أن الطبقة العاملة هي القوة الوحيدة القادرة على قيادة عموم الكادحين، من فلاحين فقراء وبرجوازية صغرى وفئات مضطهَدة أخرى، لإنجاز المهام الديمقراطية العالقة، في حين أن كل المشاريع الأخرى التي راهنت على ما يسمى بالبرجوازية التقدمية واللبراليين أدت إلى نتائج كارثية.
كانت الجلسة الأخيرة حول “كيف ننظم كفاحنا: ضرورة الحزب الثوري”، من تقديم الرفيق حسام فرج، الذي شرح الأسباب التي تجعل من بناء القيادة الثورية ضرورة ملحة. وقدم أمثلة تاريخية عن ثورات انهزمت بسبب غياب القيادة الثورية، مقابل نجاح ثورة أكتوبر الروسية بفضل وجود حزب لينين وتروتسكي، الحزب البلشفي.
كما شرح أن الاشتراكية، على عكس الرأسمالية، لا يمكن أن تنتصر بشكل عفوي، بل ينبغي أن تكون نتاجا للتدخل الواعي المنظم للطبقة العاملة، مما يزيد في تأكيد ضرورة القيادة الثورية.
ثم انتقل إلى شرح المرحلة الحالية عالميا والمتميزة بأعمق أزمة للرأسمالية: مرحلة الثورات والثورات المضادة. وأوضح أن التاريخ سوف يقدم الكثير من الفرص لحسم السلطة السياسية من طرف الطبقة العاملة، شريطة أن نكون مستعدين، وإلا فإن تلك الفرص سوف تضيع هباء.
ودعا الحضور إلى الانخراط معنا في التيار الماركسي الأممي للنضال من أجل بناء القيادة الثورية في بلداننا ومنطقتنا وعلى الصعيد الأممي.
حدث هام
وفي الختام قدم الرفيق نورالدين الملاحظات الختامية التي أشار فيها إلى المستوى النظري الرفيع للنقاشات التي جرت خلال الجامعة، سواء من طرف أصحاب العروض، أو المداخلات والتعقيبات التي قدمها المتدخلون والمتدخلات.
وأشار إلى أنه ليس صدفة أن نكون نحن التيار الماركسي الأممي هم أول من نظم نشاطا من هذا النوع في منطقتنا، وشرح أنه لا يمكن ايجاد مثل هذه النوعية من الأفكار والتحاليل في أي مكان آخر إلا في التيار الماركسي الأممي.
ودعا الحاضرين إلى المشاركة في اللقاءات النظرية التي ننظمها بشكل منتظم عبر وسائل التواصل المختلفة، كما كرر دعوة الرفيق حسام لكل الذين يتفقون معنا إلى الالتحاق بنا لمساعدتنا على بناء العامل الذاتي، أي الحزب الثوري للطبقة العاملة العالمية. وأعلن انتهاء أشغال هذا الحدث الناجح من خلال الدعوة إلى غناء حماسي لنشيد الأممية.
إن النجاح الذي حققته هذه الجامعة ما كان ممكنا لولا تفاني وحماس مناضلي التيار الماركسي الأممي، وكان شاهدا على إيماننا بأفكارنا والتزامنا ببناء القوى الماركسية في منطقتنا والعالم!