على الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 10 أكتوبر، وفي مكتبة بليخانوف التذكارية بسان بيترسبورغ، ألقى الرفيق آلان وودز، رئيس تحرير موقع: marxist.com والعضو القيادي في التيار الماركسي الأممي، محاضرة أمام جمهور من حوالي 70 شخصا، اكتظت بهم غرفة المؤتمرات الصغيرة. وبالإضافة إلى مسيري المكتبة من الجيل الأكبر سنا، كان غالبية الحاضرين من الشباب -الطلاب والعمال- وأعضاء ومتعاطفي حزب العمال الثوري، الذين هم من نظموا هذا النشاط بتعاون مع مكتبة بليخانوف. وترأست اللقاء مديرة المكتبة، تاتيانا فيليمونوفا.
[Source]
كان موضوع المحاضرة هو الحركة الثورية للطبقة العاملة الإسبانية التي أطاحت بدكتاتورية فرانكو، وهو موضوع يعتبر المتحدث مؤهلا بشكل جيد للخوض فيه، بالنظر إلى أنه كان مشاركا نشطا في الأحداث التي يصفها. وقد بدأ مداخلته بالإشارة إلى أنه على الرغم من أن الكثير من الناس في روسيا كانوا على دراية، إلى هذا الحد أو ذاك، بالحرب الأهلية التي شهدتها إسبانيا في ثلاثينيات القرن العشرين، فإنهم لم يعرفوا إلا القليل، أو لا شيء إطلاقا، عما حدث بعد ذلك.
وقال: «ما سأصفه لكم الآن هو تاريخ سري، تاريخ دُفن منذ 40 عاما، دُفن مع آلاف الجثث التي ووريت الثرى في جميع أنحاء إسبانيا في قبور مجهولة».
وأضاف: «لم يتوقف التاريخ عندما زحف فرانكو منتصرا في شوارع مدريد. لم تتوقف الساعة في عام 1939. فقد استمرت عمليات القتل والاعتقالات والتعذيب. لقد قضت الديكتاتورية على جميع حقوق الشعب الإسباني. وتم سحق العمال تحت كعب الفاشستية الحديدي. لكن وعلى الرغم من كل الصعوبات والمخاطر الهائلة، فقد نهض العمال مرة أخرى».
تابع آلان وصف موجة الإضرابات الهائلة التي اندلعت في مناطق التعدين بأستورياس، عام 1962، واستمرت حتى سقوط الديكتاتورية.
وقال: «لا يوجد في التاريخ مثيل لتلك الحركة العظيمة. لن تجدوا شيئا مشابها لها في ألمانيا هتلر أو في إيطاليا موسوليني. وقد كان لتلك الحركة -ولها وحدها- الفضل في تقويض أسس الديكتاتورية.»
الثورة الإسبانية المغدورة
مضى الرفيق آلان وودز يصف بتفاصيل حية تجاربه في النضال السري بإسبانيا والمعارك الشرسة بين العمال وقوات النظام القمعية. وقد ركز بشكل خاص على بطولة الطلاب والشباب الثوري بشكل عام. كانت نقطة التحول الرئيسية هي الإضراب العام في مدينة فيتوريا بإقليم الباسك والذي انتهى بمذبحة دموية في 03 مارس 1976. قال آلان وودز بأنه كان من الممكن لذلك الحدث أن يؤدي إلى إضراب عام في كل إسبانيا وإسقاط للديكتاتورية بشكل كامل، لكن خيانة قادة الحركة العمالية -وخاصة الحزب الشيوعي- حالت دون ذلك.
وقال إن كلمة واحدة من كاريو (زعيم الحزب الشيوعي آنذاك) كانت كافية، لكن تلك الكلمة لم تأت أبدا. وقد تكرر هذا الوضع أكثر من مرة، مما أدى إلى إرباك الحركة وإحباطها. كان السبب هو أن قادة الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي كانوا يسعون جاهدين إلى التوصل إلى اتفاق مع النظام. وفي النهاية استسلموا للفاشستي السابق، أدولفو سواريز، الذي صار يصف نفسه بأنه ديمقراطي.
بعد ذلك قبل كل من كاريو وغونثاليس بتنصيب الملك، خوان كارلوس، الذي عينه فرانكو خلفا له. قبلا بالعلم الفاشستي وحافظا على أجهزة الدولة القديمة كما هي تقريبا. لم يُحاكم أحد أو يعاقب على جرائم الديكتاتورية. وما تزال إسبانيا حتى يومنا هذا مجبرة على تحمل عواقب الخيانة المعروفة باسم “التحول الديمقراطي”.
لكن في الأخير اختتم آلان بنبرة إيجابية قائلا إن هناك جيل جديد ناشئ لن يقبل بالأكاذيب القديمة، جيل يكافح لاستعادة ذاكرته التاريخية ويرفض أن يتم إسكاته.
استقبل الحاضرون خطاب آلان بحفاوة كبيرة. وتلت ذلك جلسة مشوقة من الأسئلة والأجوبة التي شملت مجالات واسعة جدا، مثل طبيعة الإصلاحية والستالينية، والعلاقة بين الطبقة والحزب والقيادة والعديد من القضايا الأخرى. اتفق جميع الحاضرين على أن المناقشة كانت جد مفيدة وأن الأمسية كانت ناجحة للغاية. وفي الختام شكرت تاتيانا فيليمونوفا آلان على قبوله الحضور وإلقاء محاضرته، ووجهت له الدعوة للعودة إلى حضور لقاء آخر خلال العام المقبل.