ما زالت أغلب نساء العالم اليوم بعيدات كل البعد عن تحقيق المساواة، ناهيك عن التحرر. إن الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء هي إحدى مظاهر اللامساواة، لكن عدم المساواة والاضطهاد أكثر من ذلك بكثير. فمن الخوف من ترك مشروباتنا دون مراقبة عندما نكون في الخارج ليلا؛ إلى القلق من العودة إلى المنزل بمفردنا، والاضطرار إلى تحمل التعليقات والنظرات الجنسية المستمرة؛ إلى القيام بمعظم الأعمال المنزلية، والأطباء الذين لا يأخذون "أمراض النساء" على محمل الجد، ويعاملونها عموما على أنها أقل قيمة، والقائمة تطول وتطول...
إن عدم المساواة والاضطهاد متأصلان في هياكل المجتمع لدرجة أنهما يتخللان حياة المرأة بأكملها، بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه في العالم. لقد اتخذا مظهرا مثيرا للاشمئزاز في ظل الرأسمالية، لكنهما استمرا عبر آلاف السنين من المجتمع الطبقي.
إلا أن الحلول المزعومة التي يقدمها لنا السياسيون وقادة المجتمع ليست مرضية على الإطلاق. إنها مشبعة بمنظور فردي يرفض الصراع الطبقي وتغيير النظام، مقابل الترويج لأيديولوجية "المرأة الرئيسة"[1]، حيث يتم تصوير التمييز الجنسي والاضطهاد كشيء يمكن للأفراد التغلب عليه في إطار الرأسمالية.
لكن أعظم التطورات التي تحققت في مسار تحرر النساء لم تأت من خلال التنوير المستقل أو النضال الفردي ضد شرور النظام. لقد تحققت بفضل النضال الجماعي الثوري من أجل تغيير المجتمع بشكل جذري.
ولذلك فإنه سيكون من الصعب تسمية شخص آخر كان له تأثير أكبر على النضال من أجل تحرر النساء من لينين. من المحتمل أن يثير هذا القول استنكار عدد لا بأس به من النسوانيات. ما الذي يملكه "رجل روسي أبيض ميت" ليقوله عن النضال من أجل تحرر النساء اليوم؟ لكن الثورة الروسية، بقيادة لينين، أظهرت أنه من الممكن التخلص من النظام الرأسمالي الذي نعيش في ظله، والبدء في بناء مجتمع خال من اللامساواة والاضطهاد. آنذاك وضع التحرر الحقيقي للنساء على جدول الأعمال. لكنه لم يكن أمرا متروكا للنضال الفردي فحسب، بل كان جزءا من النضال الجماعي لجميع فئات المجتمع المضطهَدة. كانت روسيا قبل عام 1917 مجتمعا ذا ثقافة أبوية قمعية للغاية. فجاءت ثورة أكتوبر التي كانت بمثابة زلزال هز أسس تلك الثقافة. حيث وبضربة واحدة، تمت إزالة جميع القوانين التي تضع المرأة في وضع أدنى من الرجل، وتم إلغاء تجريم المثلية الجنسية، وهذا كان البداية فقط.
من الطبيعي أن تُقابل الذكرى المئوية لوفاة لينين بحملة من التشهير من جانب الصحافة الرأسمالية. لكن لينين يتعرض للهجوم أيضا من قبل العديد من النسويات اللاتي يزعمن، على الورق، أنهن تقدميات. إنهن يهاجمن لينين، إلى جانب ماركس وإنجلز، باعتبارهم "رجالا من البيض". لكن أولئك اللواتي يستعملن هذا الخطاب نجدهن، في الواقع، يخدمن سياسيا الطبقة السائدة. إنهن يعارضن الفكرة الثورية القائلة بأن القضاء على اضطهاد النساء يتطلب القضاء على المجتمع الطبقي. وهذا لا يخدم إلا الأغنياء، أي أولئك الذين تعتمد سلطتهم وامتيازاتهم على الاضطهاد وعدم المساواة كجزء لا يتجزأ من نظامهم.
نضال النساء والثورة
كان نضال لينين السياسي برمته موجها نحو هدف واحد: الإطاحة الثورية بالمجتمع الطبقي وبناء مجتمع جديد تماما، خال من اللامساواة والاضطهاد، أي بناء مجتمع شيوعي. إن السبب الذي يجعل الطبقة الرأسمالية تحمل كل هذه الكراهية الشديدة تجاهه هو أنه قاد الثورة العمالية الوحيدة الناجحة في تاريخ العالم: ثورة استولت فيها الطبقة العاملة على السلطة، وأظهرت أنه من الممكن تنظيم المجتمع لتلبية حاجيات الشعب وليس الربح.
لقد ذهبت الثورة الروسية في تحرير المرأة من عبودية المجتمع الطبقي أبعد من أي حدث آخر في التاريخ. اتخذ البلاشفة خطوات عملاقة نحو التحرر الحقيقي للنساء، فأرسلوا موجات صدمة عبر العالم، وهزوا من هم في السلطة من جذورهم، وألهموا النساء العاملات (والعمال) على الصعيد العالمي. وبالتالي فإنه ليس من قبيل الصدفة أن تحصل النساء في أجزاء كثيرة من العالم على حق التصويت (إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى) خلال السنوات التي أعقبت الثورة مباشرة.
تبقى الثورة الروسية المساهمة الأكثر أهمية في الكفاح ضد اضطهاد النساء في تاريخ العالم. وبعد مرور أكثر من 100 عام، ما تزال الإجراءات التي اتخذها لينين وبقية الحزب البلشفي بعد الثورة هي الأكثر تقدمية في تاريخ العالم.
أزال البلاشفة جميع القوانين التي تفرض اللامساواة بين الجنسين. حصلت النساء على الحق في الإجهاض والطلاق، وتم إلغاء التمييز بين الأطفال المولودين داخل إطار الزواج أو خارجه. وبالمقارنة مع ذلك، لم يتم تطبيق حق الطلاق في الدنمارك إلا في عام 1925، وحق الإجهاض في عام 1973! يتعلم تلاميذ المدارس الدنماركية أن الاشتراكية الديمقراطية نينا بانج كانت أول وزيرة في العالم. لكنها لم تصبح وزيرة إلا عام 1924، أي بعد سبع سنوات من تعيين ألكسندرا كولونتاي مفوضة الشعب (أي وزيرة) في الاتحاد السوفياتي.
كانت أولى المراسيم التي طبقتها كولونتاي حول مسألة الأمومة، من بين أمور أخرى، إجازة أمومة مدفوعة الأجر مدتها 16 أسبوعا، وتقليص أسبوع عمل النساء المرضعات إلى أربعة أيام فقط. ومرة أخرى يجب على المرء أن يتذكر أنه في ذلك الوقت، لم تكن إجازة الأمومة موجودة على الإطلاق في معظم أنحاء العالم. وفي الدنمارك، لم يتم تطبيق قانون إجازة الأمومة ليشمل جميع العاملات بأجر إلا في عام 1960. وكان ذلك لمدة 14 أسبوعا فقط، وليس بأجر كامل، بل بأجر يساوي مبلغ إعانات البطالة. إن إجازة الأمومة مدفوعة الأجر من 16 أسبوعا ما تزال، حتى يومنا هذا، تتجاوز المبلغ الذي يحق للمرأة الحصول عليه حتى في أغنى بلد في العالم، أي الولايات المتحدة، حيث لا يحق للنساء الحصول سوى على 12 أسبوعا من إجازة أمومة غير مدفوعة الأجر.
لكن المساواة أمام القانون كانت مجرد الخطوة الأولى التي اتخذها البلاشفة. وهذا مجرد الشرط المسبق الرسمي للقضاء على اللامساواة. فمن أجل تحقيق المساواة الحقيقية، لا يكفي أن تكون هناك قوانين جديدة مكتوبة على الورق. ذلك يتطلب إحداث تغييرات جذرية في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
هنا بدأ العمل الحقيقي للبلاشفة من أجل تحرر النساء: العمل على تغيير الظروف المادية، والتخلص من جذور اللامساواة، أي الانقسام الطبقي. لقد تطلب ذلك القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، أي ملكية الرأسماليين وكبار ملاكي الأراضي، للمصانع والشركات والأراضي. وبدأوا في تطبيق خطة إنتاج ديمقراطية موجهة نحو حل الاحتياجات الاجتماعية للأغلبية العظمى في المجتمع، أي الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.
وبعد تحقيق الخطوة الأولى المتمثلة في المساواة أمام القانون، وصف لينين المهام التالية قائلا:
"إن الخطوة الثانية والأهم هي إلغاء الملكية الخاصة للأراضي والمصانع. وهذا وحده الذي من شأنه أن يفتح الطريق نحو التحرر الكامل والفعلي للمرأة، وتحررها من "العبودية المنزلية" من خلال الانتقال من التدبير المنزلي الفردي التافه إلى الخدمات المنزلية الاجتماعية واسعة النطاق.
"إن هذا التحول صعب، لأنه ينطوي على إعادة تشكيل جذري "للنظام" الأكثر تجذرا ورسوخا وتشددا وجمودا (عبارة البشاعة والهمجية أقرب إلى الحقيقة). لكن الانتقال قد بدأ، وبدأت الأوضاع في التحرك، لقد اتخذنا المسار الجديد"[2].
إن تحرر النساء يتطلب إنهاء الأعمال المنزلية، التي، على حد تعبير لينين، تبقي المرأة في "عبودية المنزل". كان لا بد من تحويل الأعمال المنزلية إلى أعمال اجتماعية، وهو ما يعني بشكل ملموس إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال والمطابخ العامة والمغاسل العامة، الخ، الخ.
لقد بقيت النساء -منذ ظهور المجتمع الطبقي، أي منذ آلاف السنين- مقيدات بأغلال المنزل. وقد لعبت الرأسمالية دورا مهما في إخراج النساء إلى المجتمع الأوسع باعتبارهن عاملات، وبالتالي مشاركات في الصراع الطبقي. لكنها [الرأسمالية] فشلت في القضاء على العبودية المنزلية للنساء، مما يعني أن النساء العاملات في ظل الرأسمالية يعانين من عبئ مزدوج: باعتبارهن عاملات وباعتبارهن نساء.
إن غالبية الأعمال المنزلية تقع على عاتق النساء، حتى في البلدان الرأسمالية المتقدمة. ففي الدنمارك اليوم، حيث حصة النساء في العمالة هي نفس حصة الرجال تقريبا، تقوم النساء بالأعمال المنزلية بمعدل ساعة في اليوم أكثر من الرجال. وعندما يولد الأطفال، يكون لذلك تأثير كبير على رواتب النساء ومعاشات التقاعد، إضافة إلى التأثير على الوقت المخصص لأشياء أخرى غير الأسرة، مثل المشاركة في الحياة الثقافية أو المشاركة في النشاط السياسي.
قيود الشروط المادية
ومع ذلك، فإن طموحات البلاشفة لم يكن من الممكن أن تتجاوز الواقع المادي للجمهورية السوفياتية. لقد أوضح لينين منذ اليوم الأول أن بناء الاشتراكية يقتضي انتشار الثورة إلى البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما. لكن ولسوء الحظ، بقيت الثورة الروسية معزولة، وخلال السنوات الأولى بعد عام 1917، كانت الدولة السوفياتية الفتية تصارع من أجل البقاء خلال الحرب الأهلية التي شنتها على روسيا أقوى الدول الرأسمالية، وتكافح لتجنب المجاعة.
كانت الموارد محدودة للغاية، وبالتالي كان من الصعب تحقيق خطط تحويل العمل المنزلي إلى عمل عمومي. إن نجاح الدولة السوفياتية في ذلك السياق، في تحقيق أي شيء على الإطلاق كان في حد ذاته أمرا مثيرا للإعجاب. لكن ومع استيلاء ستالين على السلطة، تراجع جزء كبير من المكاسب التي حققتها النساء بعد الثورة، مثل الحق في الإجهاض والطلاق على سبيل المثال.
وعلى الرغم من الانحطاط والتراجع الذي حدث في عهد ستالين وخلفائه، فقد حقق الاقتصاد المخطط تقدما هائلا بالنسبة للنساء. فمتوسط العمر المتوقع للنساء نمى بأكثر من الضعف، من 30 عاما، خلال عهد القيصر، إلى 74 عاما في السبعينيات. وفي عام 1971، كان هناك أكثر من خمسة ملايين مقعد في رياض الأطفال، وكان 49% من طلاب التعليم العالي من النساء. في حين كانت البلدان الأخرى الوحيدة التي كانت تشكل فيها النساء أكثر من 40% في التعليم العالي، هي فنلندا وفرنسا والسويد والولايات المتحدة.
كانت أفكار لينين السياسية مبنية على أساس فلسفي مادي، أي الوعي بأن الظروف المادية هي التي تحدد الوعي والأفكار والأيديولوجية والثقافة، وما إلى ذلك.
إن الشرط الأساسي للتخلص من ثقافة التمييز الجنسي والنزعة المعادية للنساء التي استمرت طيلة آلاف السنين تحط من قيمة النساء مقارنة مع الرجال، وأبعدتهن عن الحياة العامة، هو بالتالي تغيير الظروف المادية. وهذا يعني إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
لكن البلاشفة لم يكتفوا بالجلوس بعد تأميمهم للاقتصاد، بل شرعوا في عمل مكثف لمواجهة الثقافة الشوفينية في روسيا. تم إطلاق برامج خاصة للقضاء على الأمية بين النساء وإشراكهن بشكل فعال في قيادة الدولة والحزب. وفي الوقت نفسه، قام البلاشفة بعمل عظيم في رفع المستوى الثقافي بشكل عام، وبالتالي التخلص من التحيزات الدينية وغيرها من أشكال الشوفينية.
لقد قاد لينين النضال من أجل مساواة النساء ليس فقط أمام القانون، بل في جميع المجالات. ولهذا السبب، فإننا نحن الشيوعيون نعتبر أنفسنا المناضلين الأكثر حزما في حركة النضال من أجل تحرر النساء. وعلى النقيض من النسويات الليبراليات، لم يقتصر لينين على البقاء ضمن إطار الرأسمالية. فأقصى ما يمكن تحقيقه في ظل هذا النظام هو المساواة أمام القانون. وكما نستطيع أن نقول لكم، نحن في البلدان الاسكندنافية ، حيث تم تحقيق المساواة أمام القانون منذ فترة طويلة، فإن هذا يبقى بعيدا كل البعد عن التخلص من اضطهاد النساء. لقد اكتسبت النسويات الليبراليات المساواة الرسمية، وهن في الوقت نفسه يساعدن على الإبقاء على عدم المساواة الاجتماعية والثقافية التي ما تزال سائدة.
بالنسبة للينين، كان المنظور الطبقي هو النقطة المحورية في النضال من أجل تحرر النساء. فالمنظور الطبقي وحده القادر على القطع مع جميع أشكال الاضطهاد الأخرى، وهو المحور الذي تدور حوله جميع أشكال الاضطهاد الأخرى. الطبقة السائدة هي أقلية ضئيلة في المجتمع، وهي تفعل كل ما في وسعها لتقسيم الطبقة العاملة على أساس الجندر، والاثنية، والدين، وما إلى ذلك، لمحاولة تأليب مختلف المجموعات من العمال ضد بعضها البعض.
الشيوعيون والنضال من أجل تحرر النساء
لا يقتصر لينين على التأكيد على ضرورة الثورة من أجل تحرر النساء، بل يؤكد أيضا على أن مشاركة النساء أمر حاسم لتحقيق ثورة ناجحة. وهذه ليست مسألة ثانوية.
كانت النساء العاملات هن من أشعلن الثورة الروسية عندما أضربن عن العمل في اليوم العالمي للنساء في عام 1917. وطيلة فترة الثورة التي سبقت أكتوبر، أستمر لينين يؤكد مرارا وتكرارا على ضرورة تنظيم النساء في النضال. وفي إحدى رسائله من بعيد -التي كتبها قبل عودته من المنفى عام 1917- كتب: "إذا لم يتم استقطاب النساء إلى الخدمة العامة، وإلى الميليشيا، وإلى الحياة السياسية، وإذا لم يتم انتزاع النساء من خبل بيئة المنزل والمطبخ، سيكون من المستحيل ضمان الحرية الحقيقية، وسيكون من المستحيل بناء حتى الديمقراطية، ناهيك عن الاشتراكية"[3].
لم تكن الثورة لتنتصر لولا مشاركة النساء. ولم يعتبر لينين مسألة تنظيم نساء الطبقة العاملة في النضال من أجل الشيوعية أمرا حاسما في الفترة التي سبقت ثورة أكتوبر فحسب، بل أيضا بعد ذلك، وفي بناء الأممية الثالثة باعتبارها أداة لنشر الثورة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن اضطهاد النساء في ظل الرأسمالية يعني أيضا أن عدد النساء المنخرطات في النضال يكون أقل عموما من عدد الرجال. وكانت هذه أيضا مشكلة تطرق إليها لينين:
"لماذا لم يكن لدينا أبدا في روسيا السوفياتية عدد من النساء في الحزب مثل عدد الرجال؟ لماذا عدد النساء العاملات المنتظمات في النقابات صغير جدا؟ الحقائق تغذي الفكر [...] لا يمكننا ممارسة دكتاتورية البروليتاريا إن لم تكن ملايين النساء معنا، كما لا يمكننا الانخراط في البناء على أسس شيوعية بدونهن. يجب علينا أن نجد طريقا لكسبهن. يجب علينا أن ندرس ونحاول أن نجد ذلك الطريق.
ولهذا السبب من الصواب تماما بالنسبة لنا أن نتقدم بمطالب لصالح النساء [...] إن الحقوق والتشريعات الاجتماعية التي نطالب بها للنساء من المجتمع البرجوازي تظهر أننا نفهم وضع ومصالح النساء، وأننا سنأخذها في الاعتبار في ظل دكتاتورية البروليتاريا. بالطبع ليس لتهدئتهن ودفعهن إلى التقاعس عن الفعل وإبقائهن تحت سيطرة القيادة كما يفعل الإصلاحيون. كلا، بالطبع كلا؛ بل بصفتنا ثوريين يدعون النساء للعمل على قدم المساواة على تغيير الاقتصاد القديم والأيديولوجية القديمة".[4]
لقد شدد لينين مرارا وتكرارا على أن النضال من أجل تحرر النساء العاملات لا يمكن فصله عن النضال من أجل الثورة الاشتراكية. لا يمكن إنهاء اللامساواة والاضطهاد دون القضاء على المجتمع الطبقي. لكن هذا لا يعني أنه رفض بالتالي النضال من أجل مطالب النساء قبل الثورة.
يتم اتهام الشيوعيين أحيانا بأنهم يهملون نضالات النساء باعتبارها أمرا ستحله الثورة. لكن من الواضح أن هذه التهمة ليست صحيحة. صحيح أننا نعتقد أن الثورة هي السبيل الوحيد لإنهاء اضطهاد النساء، لكن هذا لا يعني أننا نرفض النضال من أجل المطالب الديمقراطية هنا والآن.
نحن الشيوعيون لا نكتفي بالجلوس وانتظار الثورة، بل نلقي بأنفسنا في خضم النضال اليومي. وكما أوضح لينين فإنه يمكن تعبئة العمال من خلال النضال اليومي من أجل الإصلاحات والمطالب الديمقراطية، ومن خلال هذا النضال تصبح محدودية الديمقراطية الرأسمالية واضحة لهم. إن مهمة الشيوعيين هي استخدام النضالات اليومية لطرح ضرورة النضال من أجل الثورة. وقد شرح لينين أنه كلما كان المجتمع أكثر حرية وديمقراطية، كلما أصبح من الواضح أن المشكلة لا تكمن في هذا القانون أو ذاك فحسب، بل في الرأسمالية نفسها:
"في معظم الحالات، لا تتم ممارسة حق الطلاق في ظل الرأسمالية، لأن الجنس المضطهَد يتم سحقه اقتصاديا؛ لأنه، مهما كانت الدولة ديمقراطية، تبقى المرأة "أمة منزلية" في ظل الرأسمالية، أمة لغرفة النوم والحضانة والمطبخ. […]
"فقط أولئك العاجزون كليا عن التفكير، أو أولئك الذين لا يعرفون شيئا عن الماركسية، هم من سيستنتجون أنه لا فائدة بالتالي من الجمهورية، وأن حرية الطلاق لا فائدة منها، وأن الديمقراطية لا فائدة منها، وأن حق الأمم في تقرير مصيرها لا فائدة منه! يعرف الماركسيون أن الديمقراطية لا تلغي الاضطهاد الطبقي، بل تجعل الصراع الطبقي أكثر وضوحا وأوسع نطاقا وأكثر انفتاحا وحدّة؛ وهذا ما نريده. كلما كانت حرية الطلاق أكثر اكتمالا، كلما كان من الواضح للمرأة أن مصدر "عبوديتها المنزلية" ليس الافتقار إلى الحقوق، بل الرأسمالية نفسها. وكلما كان نظام الحكم أكثر ديمقراطية، كلما أصبح من الواضح للعمال أن أصل الشر ليس الافتقار إلى الحقوق، بل الرأسمالية نفسها. [...] وما إلى ذلك وهلم جرا"[5].
كلما كانت الديمقراطية أكثر شمولا، كلما أصبح من الواضح أكثر أن المسؤول عن الاضطهاد ليس هو الافتقار إلى الديمقراطية فقط، بل إن الاضطهاد متجذر بشكل أعمق بكثير: في الرأسمالية وفي هياكل المجتمع الطبقي ذاتها.
وكما ذكرنا سابقا، فإن اضطهاد النساء هو أبعد ما يكون عن الاختفاء في البلدان الاسكندنافية، وذلك على الرغم من الحقوق الديمقراطية المتساوية للرجال والنساء. لقد أصبح من الواضح بالنسبة لعدد متزايد من النساء أن الحل ضد التمييز على أساس الجنس، والعنف ضد النساء، ووضعهن كمواطنات من الدرجة الثانية، لا يكمن في البرلمان، بل في إحداث تغيير أعمق لبنية المجتمع. إن مهمتنا كشيوعيين هي أن نلقي بأنفسنا في هذه النضالات النسائية اليومية، ونستخدمها في نفس الوقت لإظهار مدى ارتباطها بالاضطهاد الطبقي والحاجة إلى النضال ضد الرأسمالية.
كان لينين واضحا في أن هذا العمل الحيوي، المتمثل في جذب النساء الواعيات طبقيا إلى الحركة الثورية، لم يكن مهمة النساء وحدهن، وكان ضد تشكيل حركة نسائية شيوعية منفصلة. كانت تلك مهمة الحزب بأكمله. لقد كان من الضروري تثقيف وكسب جميع الشيوعيين حول مسألة اضطهاد النساء وأهمية العمل الثوري بين النساء، بمن في ذلك الرفاق الذكور، إذا أريد لذلك العمل أن يتم بنجاح. وكان ذلك يعني في بعض الأحيان التغلب على مقاومة الرفاق الذكور، كما تذكر الماركسية الألمانية كلارا زيتكن مستشهدة بلينين:
"ينظرون إلى التحريض والعمل الدعائي بين النساء، وإيقاظهن وتثويرهن على أنه أمر عرضي، وشأن يخص الرفيقات النساء فقط. ويتم لومهن وحدهن لأن العمل في هذا الاتجاه لا يمضي بسرعة وقوة أكبر. هذا خاطئ، خاطئ تماما! هذه انفصالية حقيقية، وكما يقول الفرنسيون feminism à la rebours (نسوية معكوسة)، نسوية رأسا على عقب! [...]
"ليس هناك سوى قلة قليلة من الرجال -حتى بين البروليتاريا- ممن يدركون مقدار الجهد والمتاعب التي يمكن أن ينقذوا النساء منها، أو حتى يخلصونهن منها تماما، لو أنهم ساعدوا في "عمل النساء". لكن كلا، فهذا يتعارض مع "حقوق الرجل وكرامته". إنهم يريدون سلامهم وراحتهم. الحياة المنزلية للمرأة هي تضحية يومية لآلاف التفاهات غير المهمة. "حق السيد" القديم للرجل ما يزال موجودا في السر. إلا أن أمته تنتقم منه، في السر أيضا. إن تخلف النساء وعدم فهمهن للمثل الثورية للرجل يقلل من فرحته وتصميمه في النضال. إن ذلك الشعور هو مثل الديدان الصغيرة التي تنخر وتأكل ببطء، لكن بثبات. إني أعرف حياة العامل، ليس فقط من خلال الكتب. عملنا الشيوعي بين النساء، عملنا السياسي، يشمل قدرا كبيرا من العمل التربوي بين الرجال. يجب أن نستأصل فكرة "السيد" القديمة حتى جذورها الأخيرة والأصغر، سواء في الحزب أو بين الجماهير. هذه إحدى مهامنا السياسية، تماما مثلما هي مهمة ضرورة عاجلة تشكيل طاقم من الرفاق والرفيقات المدربين تدريبا جيدا من الناحية النظرية والتطبيق، للقيام بعمل الحزب بين النساء العاملات"[6].
نضال النساء والشيوعية
تعيش الرأسمالية أزمة عميقة. إنها ليست أزمة اقتصادية فحسب، بل هي أزمة تاريخية تتغلغل في كل مسام المجتمع. أينما نظرت، يظهر لك العالم وهو ينحدر إلى لجة الحروب والكوارث المناخية. وقد صار التمييز الجنسي والعنصرية ورهاب المثلية وغيرها من أشكال التمييز والقمع ظواهر متفشية. وهذه الأزمة محسوسة بشكل حاد بين الشباب الذين يعيشونها في جميع مجالات الحياة. وتعني تدهور الثقافة والعلاقات الإنسانية ونفسياتنا، كما نرى في تفاقم أزمة الصحة النفسية.
والشيء الوحيد الذي يتم تقديمه للشباب والعمال هو التشاؤم الشديد والحلول الفردية. لكن أزمة الرأسمالية لا تؤدي إلى التشاؤم فحسب. فالطريق المسدود للنظام الرأسمالي يتسبب في حدوث تحول نوعي في الوعي بين المزيد والمزيد من الأشخاص غير الراضين عن الحلول الفردية. إنهم يبحثون عن أفكار يمكنها أن توفر مخرجا من هذه الأزمة. وهناك الملايين من النساء والرجال في جميع أنحاء العالم الذين يعبئون جهودهم لمكافحة اللامساواة والاضطهاد.
إن البديل عن التشاؤم والحلول الفردية يمكن العثور عليه عند لينين والبلاشفة. وقد كان ردهم هو خوض نضال جماعي ضد النظام بأكمله. ولم يتوقفوا عند حدود إطار الرأسمالية. لقد اقتلعوا جذور الاضطهاد واللامساواة.
هذا هو التقليد الذي نبني نحن الشيوعيون على أساسه اليوم. إننا نلقي بأنفسنا في خضم نضالات النساء، لكننا نقوم بذلك مسلحين بمنظور واضح مفاده أنه لا يمكن فصل تلك النضالات عن النضال من أجل الشيوعية، وأن كل من يريد النضال بجدية ضد اضطهاد النساء يجب أن ينظم نفسه في النضال من أجل الشيوعية. لقد بدأ لينين والبلاشفة ذلك النضال، والأمر متروك لنا لإكماله حتى النهاية، وبناء مجتمع يستطيع فيه النساء والرجال أن يعيشوا حياة إنسانية، دون تمييز ودون اضطهاد.
Lenin, communism and the emancipation of women
[1] نظرية الفتاة الرئيسة (girl boss) نظرية تحيل إلى المرأة الناجحة في "عالم الأعمال الذكوري" عوض العمل لدى الآخرين. المترجم.
[2] Lenin, ‘International Working Women’s Day, 1921
[3] Lenin, Letters from Afar, third letter, ‘Concerning a Proletarian Militia’
[4] Clara Zetkin, Lenin on the Women’s Question
[5] Lenin, ‘From A Caricature of Marxism and Imperialist Economism’
[6] Clara Zetkin, Lenin on the Women’s Question